وما قلته في السماء فهو في الأرض مثله وأبين، لأنّ أجزاء الأرض تقبل في العيان أنواعا من الاستحالة، وكذلك الماء والهواء لأنّ أجزاء كل واحد من هذه الأشياء يجتمع مرة ويفترق أخرى، وينتقل من حال إلى حال، فصار حكمها حكم غيرها من الأجسام التي ذكرنا في الحاجة إلى مغيّر غيّرها، وناقل نقلها، وهو الواحد القهار.
قال البيهقي-رحمه الله-
فإن قال قائل: وهل في العقل دليل على أنّ محدثها واحد؟
قيل: نعم وهو استغناء الجميع في حدوثه بمحدث واحد، والزيادة عليه لا ينفصل منها عدد من عدد ولأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظم ودلا على أحكام، كما قال الله عزّ وجلّ:
ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما، وذلك أنّه لو أراد أحدهما أحياء جسم وأراد الآخر إماتته، كان لا يخلو من أن يتمّ مرادهما. وهذا مستحيل، أو لا يتم مرادهما، أو مراد أحدهما دون صاحبه.
ومن لم يتم مراده كان عاجزا. والعاجز لا يكون الها قديما وعبارة أخرى وهي أن حال الاثنين لا يخلو من صحة المخالفة، أو تعذر المنازعة، فإن صحت المخالفة أو تعذرت المنازعة بأن صحت المخالفة كان الممنوع من المراد موصوفا بالقهر، وان تعذرت المنازعة كان كل واحد منهما موصوفا بالنقص والعجز، وذلك يمنع من التثنية. وقد دعانا الله عزّ وجلّ إلى توحيده في غير موضع من كتابه بما أرانا من الآيات، وأوضح لنا من الدلالات فقال عزّ من قائل:
{وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ} -قرأها إلى قوله- {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة:١٦٣،١٦٤].