قيل له: لو لزم ذلك للزم أن يكون صورة لا كالصّور، وجسدا لا كالأجساد، وجوهرا لا كالجواهر: فلما لم يلزم ذلك، لم يلزم هذا.
وبعد: فإن الشيء سمة لكل موجود، وقد سمى الله-سبحانه وتعالى- نفسه شيئا قال الله عزّ وجلّ:
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:١٩].
ولم يسم نفسه جسما ولا سماه به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا اتفق المسلمون عليه ونحن فلا نسمي الله عزّ وجلّ باسم لم يسم هو به نفسه ولا رسوله ولا اتفق المسلمون عليه، قال الله عزّ وجلّ:
{وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١٨٠].
فإن قال قائل: وما الدليل على أنه لا يشبه المصنوعات، ولا يتصور في الوهم؟
قيل: لأنه لو أشبهها لجاز عليه جميع ما يجوز على المصنوعات من سمات النقص وامارات الحدث، والحاجة إلى محدث غيره. وذلك يقتضي نفيه، فوجب أنه كما وصف نفسه:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١].
ولأنا نجد كل صنعة فيما بيننا لا تشبه صانعها كالكتابة لا تشبه الكاتب، والبناء لا يشبه الباني، فدلّ ما ظهر لنا من ذلك على ما غاب عنّا. وعلمنا أن صنعة الباري لا تشبهه.
فإن قال قائل: وما الدليل على أنه قائم بنفسه، مستغن عن غيره؟
قيل: لأن خالق هذا الوصف يوجب حاجته إلى غيره، والحاجة دليل الحدث، لأنها تكون إلى وقت ثم تبطل بحدوث ضدها. وما جاز دخول الحوادث عليه كان محدثا مثلها. وقد قامت الدلالة على قدمه.
فإن قال قائل: وما الدليل على أنه حيّ عالم قادر؟
قيل: ظهور فعله دليل على حياته وقدرته وعلمه، لأنّ ذلك لا يصحّ وقوعه