للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:٤٤ - ٤٦].

قال (١): وكلّ آية آتاها الله رسولا، فإنّه يقرّر بها عند الرسول أولا أنه رسوله حقا، ثم عند غيره، وقد يجوز أن يخصه بآية يعلم بها نبوة نفسه ثم يجعل له على قومه دلالة سواها.

ومعجزات الرّسل كانت أصنافا كثيرة. وقد أخبر الله عزّ وجلّ أنه أعطى موسى عليه أفضل الصلاة والسّلام تسع آيات بينات: العصا، واليد، والدم، والطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع والطمس، والبحر.

فأما العصا فكانت حجّته على الملحدين والسحرة جميعا، وكان السحر في ذلك الوقت فاشيا. فلما انقلبت عصاه حية تسعى وتلقفت حبال السحرة وعصيّهم، علموا أن حركتها عن حياة حادثة فيها بالحقيقة وليست من جنس ما يتخيّل بالحيل، فجمع ذلك الدلالة على الصانع وعلى نبوته جميعا.

وأما سائر الآيات التي لم يحتج إليها مع السحرة، فكانت دلالات على فرعون وقومه القائلين بالدهر، فأظهر الله تعالى بها صحة ما أخبرهم به موسى عليه أفضل الصلاة والسّلام من أن له ولهم ربّا وخالقا.

وألان الله عزّ وجلّ الحديد لداود وسخّر له الجبال والطّير وكانت تسبّح معه بالعشيّ والإشراق.

واقدر عيسى بن مريم عليه أفضل الصلاة والسّلام على الكلام في المهد، وكان يتكلم فيه كلام الحكماء، وكان يحيي له الموتى ويبرئ-بدعائه أو بيده إذا مسح الأكمه والأبرص، وجعل له أن يجعل من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه، فيكون طيرا بإذن الله ثم أنه رفعه من بين اليهود لما أن أرادوا قتله وصلبه، فعصمه الله تعالى بذلك من أن يخلص ألم القتل والصلب إلى بدنه، وكان الطب عاما غالبا في زمانه. فأظهر الله تعالى بما أجراه على يديه وعجز الحذاق من الأطباء عما هو أقل من ذلك بدرجات كثيرة، أن التعويل على الطبائع


(١) المنهاج ١/ ٢٦٠ - ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>