فكيف يدرك أن أحدهما معدّ للعصاة والآخر لأهل طاعته.
ولو علمنا أنا نعذّب على معاص وذنوب متناهية عذابا متناهيا أو غير متناه، أو نثاب بالطاعات المتناهية ثوابا غير متناه لما كان منا إلا الطاعة.
فقطع الله تبارك وتعالى هذه الحجج كلها ببعثة الرسل وبالله التوفيق.
ثم إن الحليمي (١) -رحمه الله تعالى-احتج في صحة بعث الرسل بما عرف من بروج الكواكب وعددها وسيرها، ثم بما في الأرض مما يكون قوتا، وما يكون دواء لداء بعينه، وما يكون سمّا وما يختصّ بدفع ضرر السّم، وما يختص بجبر الكسر وغير ذلك من المنافع والمضار التي لا تدرك إلا بخبر.
ثم بوجود الكلام من الناس، فإن من ولد أصمّ لم ينطق أبدا ومن سمع لغة ونشأ عليها تكلم بها. فبان بهذا أنّ أصل الكلام سمع، وأن أول من تكلّم من البشر تكلم عن تعليم ووحي كما قال الله عز وجل:
ثم إن كلّ رسول أرسله الله تعالى إلى قوم فلم يخلّه من آية أيّده بها، وحجّة آتاها إيّاه، وجعل تلك الآية مخالفة للعادات، إذ كان ما يريد الرسول إثباته بها من رسالة الله عز وجل أمرا خارجا عن العادات ليستدل باقتران تلك الآية بدعواه انه رسول الله.
وبسط الحليمي-رحمه الله تعالى-الكلام في ذلك إلى أن قال: والكذب على الله تعالى والافتراء عليه بدعوى الرسالة من عنده من أعظم الجنايات فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يظهر على من تعاطى ذلك آية ناقضة للعادات فيفتتن العباد به. وقد تبرأ الله عز وجل من هذا الصنيع نصا في كتابه فقال يعني نبيه (صلّى الله عليه وسلّم) -: