للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الحليمي: ومن أعظم فوائد نعم الله تعالى جده الاستدلال بها على المنعم فإن فيها الدليل عليه وعلى قدرته وعلمه وحكمته ووحدانيته وقد نبه الله تعالى على ذلك في غير موضع من كتابه فإنه تبارك وتعالى امتن علينا بأن جعل لنا السمع والأبصار والأفئدة بعد أن أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا فذكر بعض الآيات التي وردت في ذلك ثم قال:

وقال في آية أخرى:

{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}.

فكان معنى ذلك في أنفسكم دلالات الحدث وهي الأحوال المتقلبة بهم من حيث لم ينفكوا عنها فإن تلك الأحوال إذا كانت أحداثا ولم يكونوا خلوا منها قط فواجب أن يعلموا أنهم أحداث والحدث لا يخلو من محدث.

وقيل معنى ذلك أنكم تعلمون من أنفسكم أنكم لم تكونوا ثم كنتم فلا يخلوا أحدكم من أن يكون هو الذي خلق نفسه أو أبواه خلقاه أو غيره وغيرهما فلا يمكن أن يكون خلق نفسه لأنه لو شاء [أحد] (٢) ما تمت قواه وكمل عقله أن يتم من نفسه عضوا ناقصا لم يقدر عليه فوجب أن يعلم أنه إذا كان نطفة مواتا من أن يقلب نفسه حالا فحالا أبعد وعنه أعجز ثم يعلم أنه إذا كان موجودا غير أنه ضعيف أو موات لا يقدر من أمره على شيء فهو إذا كان عدما (من بعد ذلك) (٣) أبعد ولا يمكن أن يكون أبواه فعلا لأن الأبوين في العجز الذي ذكرنا مثله فإذا استحال أن يكون فاعلا لنفسه واستحال أن يكون فاعلا لأبويه فحق أذا أنه فعل فاعل غيره وغير أبويه وإنما يراد الله بذلك الفاعل «أفلا تبصرون» ألا تدركون (بعقولكم) (٤) ما فيها من هذه الهداية فتهتدوا [بها] (٥) ولا يكفروا. فإن قال قائل إن الفاعل هو الطبع. قيل له وما الطبع فإن هذا الاسم نفسه يدل على أن للمسمى به فاعلا لأن الطبع لا يكون إلا فعل الطابع كما لا يكون الضرب إلا فعل الضارب فإن الطبيعة هي المطبوعة كما أن القتيلة هي المقتولة والذبيحة هي


(٢) سقط من (ب).
(٣) في (ب) بعد من ذلك.
(٤) في (أ) يغفر لكم.
(٥) سقط من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>