صلاة الجماعة قد صحت بواحد مع الإمام وصلاة الجمعة هي صلاة من الصلوات فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعقد به الجماعة، فعليه الدليل، ولا دليل، والعجب من كثرة الأقوال في تقدير العدد حتى بلغت إلى خمسة عشر قولا، ليس على شيء منها دليل يستدل به قط إلا قول من قال: إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعة كيف والشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه، فإثبات مثل هذه الشروط بما ليس بدليل أصلا، فضلا عن أن يكون على الشرطية مجازفة بالغة، وجرأة على التقوى على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم وعلى شريعته. لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين وتصديره في كتب الهداية وأمر العوام والمقصدين باعتقاده والعمل به، وهو على شفا جرف هار، ولم يختص هذا بمذهب من المذاهب ولا بقطر من الأقطار ولا بعصر من العصور بل تبع فيه الآخر الأول فإنه أخذه عن أم الكتاب وهو حديث خرافة! فيا ليت شعري ما بال هذه العبادة من بين سائر العبادات تثبت لها شروط وفروض وأركان بأمور لا يستحل العالم المحقق لكيفية الاستدلال أن يجعل أكثرها سننا ومندوبات فضلا عن فرائض وواجبات، فضلا عن شرائط؟! والحق أن هذه الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه وشعار من شعائر الإسلام وصلاة من الصلوات فمن زعم أنه يعتبر فيها، ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات، لم يسمع منه ذلك إلا بدليل فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان قام أحدهما يخطب واستمع له الآخر ثم قاما فصليا فقد صليا صلاة الجمعة والحاصل أن جميع الأمكنة صالحة لتأدية هذه الفريضة، إذا سكن فيها رجلان مسلمان كسائر الجماعات. بل لو قال قائل: إن الأدلة الدالة على صحة صلاة المنفرد شاملة لصلاة الجماعة لم يكن بعيدا عن الصواب).