فقد آذاه، وإن كان أعطاه، فقد أخزاه ولو كان ذلك على معنى إفساد الطاعة بالمعصية، لم يختص بالبطلان صدقته.
وبسط الكلام فيه-إلى أن قال-
وان من الطعن على هذا القول أن سيّئات المؤمن متناهية الجزاء وحسناته ليست بمتناهية، لأن مع ثوابها الخلود في الجنة، فلا يتوهّم أن يكون التبعة المتناهية التي يستحقها المؤمن بسيئة تأتي على ثواب حسنة لا نهاية له. فأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراطان»
فإنما هو على معنى أنه ينقص من أجر عمله كل يوم قيراطان.
وهو في أكثر الرواية عن ابن عمر في هذا الحديث «من أجره». وفي بعضها «من عمله».
قال الحليمي وإنما هو على معنى أنه يحرم لأجل هذه السيئة بعض ثواب عمله، ولسنا ننكر جواز أن يحرم الله تعالى المؤمن بعض جزاء حسناته، ويقلّل ثوابه لأجل سيئة أو سيئات تكون منه. وإنما أنكرنا قول من يقول أن السّيّئة قد تحبط الطاعة، أو توجب إبطال ثوابها أصلا. وذلك أنه لم يأت به كتاب ولا خبر ولا يمكن أن يكون مع ثبوت الخلود للمؤمنين في الجنة. والله تعالى أعلم.
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي-رحمه الله:
وأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«أتدرون ما المفلس؟
قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
قال: إنّ المفلس من أمّتي رجل يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار».