استعظاما منه لما كان يخاطب به وتأملا أن يدافع الله عنه أذية الكفار فلا يسمعوه في دينه ما يشق عليه سماعه وهذا أيضا من الشح بالدين ومعلوم أن الله تعالى يقيض علينا هذا ومثله لتتأدب بآداب الذين يصف لنا سيرهم ثم يمنعها وبيان مذاهب الذين يصف لنا طرائقهم ثم يدعها ويتبع الأحسن من الوجهين دون الأقبح منها لذا قال عز وجل:
فصح أن الشح بالدين من أركان الدين لا يجد حلاوة الدين من لا يجد الشح به في قلبه.
والله أعلم.
وهذا هو الأمر الذي يشهد العقل بصحته لأن من اعتقد دينا ثم لم يكن في نهاية الشح به والإشفاق عليه كان ذلك دلالة على أنه لا يعرف قدره ولا يبن موضع الحظ لنفسه فيه ومن كان الحق عنده حقيرا لم يسكن الحق قلبه وبالله العصمة.
ثم إن الشح بالدين ينقسم قسمين:
أحدهما: الشح بأصله كيلا يذهب.
والآخر: الشح بكماله كيلا ينقص. ألا ترى أن الله تعالى كما مدح شعيبا عليه السّلام وأثنى عليه بأنه شح على دينه فلم يفارقه مع استكراه قومه إياه على مفارقته وكذلك قد مدح يوسف عليه السّلام بأن استعصم حين راودته امرأة العزيز عن نفسه وقال:
فبان أن الشح على شعب الإيمان كيلا ينقص كالشح على أصله كيلا يذهب وهذا سبيل كل مفتون به لأن الشحيح بماله كما شح بجماعته فشح بابعاضه الشحيح بنفسه يشح بأطرافه كما يشح بحمله مدة وهكذا الدين وبالله التوفيق.