يكون فيهم من لا يكمل عقله ويضعف رأيه فيرتبك في بعض ضلالة الضالين، وشبه الملحدين، ولا يستطيع منها مخرجا كالرجل الضعيف غير الماهر بالسباحة إذا وقع في ماء غامر قويّ، لم يؤمن أن يغرق فيه، ولا يقدر على التخلّص منه، ولم ينهوا عن علم الكلام لأنّ عينه مذموم، أو غير مفيد. وكيف يكون العلم الذي يتوصل به إلى معرفة الله عزّ وجلّ، وعلم صفاته ومعرفة رسله، والفرق بين النبي الصادق وبين المتنبّئ الكاذب عليه مذموما أو مرغوبا عنه؟.
ولكنهم لإشفاقهم على الضّعفاء لئلا يبلغوا ما يريدون منه فيضلّوا، نهوا عن الاشتغال به.
ثم بسط الحليمي-رحمه الله تعالى-الكلام في التحريض على تعلّمه إعدادا لأعداء الله عز وجل.
وقال غيره في نهيهم عن ذلك إنما هو لأنّ السّلف من أهل السنّة والجماعة كانوا يكتفون بمعجزات الرسل صلوات الله عليهم على الوجه الذي بيّنّا. وإنما يشتغل في زمانهم بعلم الكلام أهل الأهواء، فكانوا ينهون عن الاشتغال بكلام أهل الأهواء. ثم إنّ أهل الأهواء كانوا يدّعون على أهل السنة أنّ مذاهبهم في الأصول تخالف المعقول. فقيّض الله تعالى جماعة منهم للاشتغال بالنظر والاستدلال حتى تبحروا فيه، وبينوا بالدلائل النيرة والحجج الباهرة أن مذاهب أهل السنة توافق المعقول، كما هي موافقة لظاهر الكتاب والسنة، إلا أنّ الإيجاب يكون بالكتاب والسنة فيما يجوز في العقل أن يكون غير واجب، دون العقل. وقد كان من السلف من يشرع في علم الكلام ويردّ به على أهل الأهواء.
٨٥ - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أحمد بن سهل، ثنا إبراهيم بن معقل ثنا حرملة، ثنا ابن وهب، ثنا مالك أنه دخل يوما على عبد الله بن يزيد بن هرمز فذكر قصة-ثم قال:
وكان-يعني ابن هرمز-بصيرا بالكلام، وكان يردّ على أهل الأهواء وكان من أعلم الناس بما اختلفوا فيه من هذه الأهواء.
٨٥ - ابن وهب هو عبد الله بن وهب بن مسلم، وحرملة هو ابن يحيى المصري.