[باب الإمامة]
المراد بالإمامة هنا إمامة الصلاة.
م/ وقال -صلى الله عليه وسلم- (يَؤُمُّ اَلْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اَللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلسُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا -وَفِي رِوَايَةٍ: سِنًّا- وَلَا يَؤُمَّنَّ اَلرَّجُلُ اَلرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) رَوَاهُ مُسْلِم
ذكر المصنف - رحمه الله - في هذا الباب من الأولى بالإمامة، وقد ذكر حديث أبي مسعود -رضي الله عنه- الذي رواه مسلم في صحيحه وفيه من أولى الناس بالإمامة.
وهذه المراتب التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- عند التنازع، كأن يحضر جماعة ليصلوا، أو يتنازع عدة أشخاص في إمامة مسجد، فإنه بهذه المرجحات.
• فالحديث دليل على أن أولى الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله. واختلف بالمراد بالأقرأ على قولين:
القول الأول: أنه الأكثر حفظاً.
لحديث عمرو بن سلَمة: ( … فنظروا فلم يكن أحداً أكثر قرآناً منّي، فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين) رواه البخاري وهذا إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً) أخرجه البخاري.
القول الثاني: الأحسن قراءة، قالوا: لأن هذا هو الموافق للغة، والصحيح الأول.
• فإن كانوا في القراءة سواء، فالأفقه لقوله (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) والمراد في أحكام الصلاة.
• فإن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرة.
قال النووي: "قال أصحابنا: يدخل فيه طائفتان: إحداهما: الذين يهاجرون اليوم من دار الكفر إلى دار الإسلام، فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة عندنا وعند جماهير العلماء.
الطائفة الثانية: أولاد المهاجرين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا استوى اثنان في الفقه والقراءة، وأحدهما من أولاد من تقدمت هجرته، والآخر من أولاد من تأخرت هجرته، قدم الأول".
قال بعض العلماء: لأنه أسبق إلى الخير، وأقرب إلى معرفة الشرع ممن تأخر في بلاد الكفر.
• فإن استويا فالأكبر سناً، فابن الثلاثين يقدم على ابن العشرين أو ابن خمس وعشرين، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (وليؤمكم أكبركم)، فإن قيل: كيف قدم الأكبر سناً هنا؟
لأنهم كانوا متساوين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا جميعاً، وأسلموا جميعاً، وصحبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه، ولم يبق ما تقدم به إلا السن، وقد جاء عند أبي داود: (وكنا متقاربين).
• ثم الأقدم إسلاماً لقوله (فأقدمهم سِلماً) أي إسلاماً، فيقدم على من بعده، لأن تقدم الإسلام فيه مزية وفضيلة، فهو أفضل وأقرب إلى معرفة دين الله.
• الحديث دليل أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره، وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ.
لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولا يؤمنّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه) وعند أبي داود: (أو في بيته).
فإمام المسجد الراتب أحق من غيره ولو كان غيره أقرأ. لحديث (ولا يؤمنّ الرجل … ) وإمام المسجد سلطان في مسجده.
ولأننا لو قلنا أن الأقرأ أولى حتى ولو كان للمسجد إمام راتب، لحصل بذلك فوضى، وكان لهذا المسجد في كل صلاة إمام.