م/ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر).
ذكر المصنف - رحمه الله - حديث ابن عباس (البينة على .... ) وقد رواه البيهقي وهو حديث صحيح، لأنه من الأحاديث المهمة في باب البينات، ولهذا قال السعدي رحمه الله: هذا الحديث عظيم القدر، وهو أصل من أصول القضايا والأحكام، فإن القضاء بين الناس إنما يكون عند التنازع، هذا يدعي على هذا حقاً من الحقوق، فينكره، وهذا يدعي براءته من الحق الذي كان ثابتاً عليه، فبين -صلى الله عليه وسلم- أصلاً بفض نزاعهم، ويتضح به المحق من المبطل، فمن ادعى عيناً من الأعيان، أو ديناً، أو حقاً من الحقوق وتوابعها على غيره، وأنكره ذلك الغير، فالأصل مع المنكر، فهذا المدعي إن أتى ببينة تثبت ذلك الحق، ثبت له، وحُكمَ له به، وإن لم يأت ببينة، فليس له على الآخر إلا اليمين.
أن البينة على المدعي، أي يقيم المطالب الدليل على صدقه ويُظهر الحجة، ومن البينة الشهود، الذين يشهدون على صدقه.
• الحكمة في كون البينة على المدعي، لأنه يدعي أمراً خفياً بحاجة إلى إظهار، والبينة دليل قوي لإظهار ذلك.
• أنه إذا لم يجد المدعي بينة ولا شهوداً، فإن القاضي يطلب من المدعَى عليه أن يحلف أن ما ادعاه عليه المدعي غير صحيح ويكون الحكم له بيمينه.
ويجب الحذر من الأيمان الكاذبة، فقد جاء الوعيد في ذلك:
قال -صلى الله عليه وسلم- (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، قيل: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً، قال: وإن كان قضيباً من أراك) متفق عليه.
• بين -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الحكم، وبين الحكمة في هذه الشريعة الكلية، وأنها عين صلاح العباد في دينهم ودنياهم، وأنه لو يعطى الناس بدعواهم لكثر الشر والفساد، ولادعى رجال دماء قوم وأموالهم.