للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حد الحرابة]

م/ قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) وهم الذين يخرجون على الناس، ويقطعون الطريق عليهم بنهب أو قتل:

فمن قتل منهم وأخذ مالاً: قُتِل وصُلب.

ومن قَتَل: تحتم قتله.

ومن أخذ مالاً: قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى.

ومن أخاف الناس: نُفيَ من الأرض.

ذكر المصنف - رحمه الله - حكم قطاع الطريق، لأن هذه الآية نزلت في قطاع الطريق.

تعريفهم: هم قوم خرجوا على الإمام بلا تأويل مطلقاً، سواء كان لهم منعة أم لم يكن لهم منعة، يسلبون أموال الناس ويسفكون دماءهم ويهتكون أعراضهم في العراء أو في البنيان.

• وسميت هذه الجريمة حرابة ومحاربة لما فيها من سلب الأموال أو الأرواح، ولما فيها من مخالفةٍ وعصيان لأمر الله تعالى.

الأصل في حكمهم: الآية التي ذكرها المصنف - رحمه الله -:

قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)

هذه الآية في قول ابن عباس وكثير من العلماء نزلت في قطاع الطريق من المسلمين.

واختلف في هذه الآية هل هي على التخيير أم الترتيب:

فقيل: على التخيير (فالإمام يخير بين القتل أو الصلب أو النفي) لأن أو تقتضي التخيير.

وقيل: ليست على التخيير ويكون حكمهم كالتالي:

إذا قتلوا وأخذوا المال، فإنهم يقتلون ويصلبون.

وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، فإنهم يقتلون ولا يصلبون.

وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم (اليد اليمنى والرجل اليسرى).

وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالاً نفوا.

هذا الترتيب في حكمهم هو قول جمهور العلماء.

• إذا أخذ مالاً ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ويقطعان معاً، لأن الله قال (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) والواو للجمع والاشتراك.

• فإذا لم يقتل ولم يسرق فإنه ينفى، فلا يُترك يأوي إلى بلد، وهذا قول الحنابلة لظاهر الآية (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ).

وذهب بعض العلماء - وهو قول الحنفية والشافعية - أن النفي هو السجن.

وذهب بعض العلماء - وهو قول لمالك واختاره ابن جرير والشنقيطي - أنه ينفى إلى بلد آخر ويُسجن فيه، ولا يزال منفياً حتى تظهر توبته.

• إذا قتل فإنه يتحتم قتله، فيقام عليه القصاص، وليس فيه خيار لأولياء المقتول، لأن القتل هنا ليس قصاصاً، ولكنه حد، فلا يجوز العفو عنه، وآية المحاربة بينت أن عقوبة القتل عقوبة تثبت جزاء المحاربة لله تعالى، وما كان كذلك فهو حق لله تعالى لا يجوز إسقاطه، ولأن ضرر هذه الجريمة ضرر عام للمجتمع بأسره غير مختص بالمجني عليه.

• إذا قتل وأخذ المال فإنه يقتل ويصلب، لقوله تعالى (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا).

والصلب: أن يربط على خشبة لها يدان معترضتان وعود قائم.

قيل: يقتل ثم يصلب، وقيل: بل يصلب قبل القتل، والله أعلم.

والراجح في مدة الصلب، أنه يصلب حتى يشتهر أمره، لأن المقصود يحصل به.

وهذا الترتيب على مذهب الجمهور كما سبق، وذهب مالك إلى أن تعدد العقوبات هنا يقصد به التخيير، وأن الإمام مخير، لأن لفظة (أو) للتخيير، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>