[كتاب الرضاع]
الرضاع لغة: مص الثدي.
واصطلاحاً: هو مص طفل صغير لبن امرأة أو شربه ونحوه.
• والتحريم بالرضاع ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) ذكرهما في جملة المحرمات.
وعن عائشة. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) متفق عليه.
وعن ابن عباس. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) متفق عليه.
وأجمع العلماء على التحريم بالرضاع. قاله في المغني.
م/ والرضاع المحرّم: ما كان قبل الفطام.
أي أن الرضاع يكون محرِّماً إذا ارتضع الطفل قبل الفطام، وهذا الشرط الأول من شروط الرضاع المحرم، وجمهور العلماء أن الرضاع المحرّم ما كان في الحولين.
لقوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة).
قال ابن كثير: هذا إرشاد من الله للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة وهي سنتان، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك، ولهذا قال [لمن أراد أن يتم الرضاعة] وذهب أكثر الإئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع المولود وعمره فوقها لم يحرم.
ولحديث عَائِشَةُ قالت (دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدِى رَجُلٌ قَاعِدٌ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ. قَالَتْ فَقَالَ «انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ) متفق عليه.
فهذا دليل على أن الرضاعة المعتبرة التي يثبت بها الحرمة، وتحل بها الخلوة، هي حيث يكون الرضيع طفلاً يسد اللبن جوعته.
ومثله حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام) رواه الترمذي وصححه. … قوله (الثدي) أي وقت الحاجة إلى الثدي، أي في الحولين.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم). رواه أبو داود
وذهب بعض العلماء إلى أن رضاع الكبير يُحَرّم.
وهذا قول عائشة ونصره ابن حزم.
لحديث عائشة قالت: (جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إني أرى في وجه حذيفة من دخول سالم [وهو حليفه] فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أرضعيه، قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: علمت أنه رجل كبير). رواه مسلم
قال النووي: قالت عائشة وداود: تثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ، كما تثبت برضاع الطفل، لهذا الحديث.
والراجح مذهب الجمهور، وهو أن رضاع الكبير غير مؤثر.
وأما الجواب عن حديث سهلة، فقد أجاب العلماء بأجوبة:
أولاً: أن هذه الحادثة رخصة خاصة بسالم، فلا يتعداه إلى غيره، ولذلك فإن أمهات المؤمنين سوى عائشة، أبَيْن أن يعملن بهذه الحادثة، لأنهن كنا يرين أن ذلك رخصة لسالم.
ثانياً: أنه حكم منسوخ، وبه جزم المحب الطبري في أحكامه، وقرره بعضهم بأن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة، والأحاديث الدالة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة، فدل على تأخرها، وهو مستند ضعيف، إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوي، ولا صغره، أن لا يكون ما رواه متقدماً. [قاله في الفتح]
ثالثاً: قول الشوكاني، حيث قال: إن الرضاع يعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة، كرضاع الكبير الذي لا يستغنى عن دخوله على المرأة، ويشق احتجابها منه، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا هو الراجح عندي، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث، وذلك بأن تجعل قصة سالم المذكورة مخصصة لعموم: (إنما الرضاع من المجاعة) (ولا رضاع إلا في الحولين) (ولا رضاع إلا ما فتق الأمعاء).