. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وعلى هذا القول: فإن للراهن أن يتصرف بالرهن (وهو الساعة كما في المثال السابق) بيعاً أو هبة لأنه لم يقبضه.
لقوله تعالى (فرهان مقبوضة). وعلى هذا الرهان التي لم تقبض لا أثر لها ولا تنفع.
واستدلوا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- (الظهر يُركب بنفقته إذا كان مرهوناً ..... ) فالحديث ظاهر في صورة ما إذا قبض المرتهن الرهن.
وقالوا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات ودرعه مرهونة عند يهودي أقبضه أياه، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أقبض اليهودي الدرع، ولو لم يكن القبض شرطاً لما أقبضه إياه.
القول الثاني: أن القبض ليس شرطاً للزوم، بل يلزم الرهن بمجرد عقد الرهن.
وعلى هذا القول فلا يجوز للراهن أن يتصرف فيه، ولو تصرف فيه فإن تصرفه غير صحيح.
وهذا مذهب المالكية وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله.
لعموم قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وعقد الرهن تام بالاتفاق فيجب الوفاء به.
ولقوله تعالى (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً). والعقد عهد وقد تعاقدا على الرهن فيجب الوفاء به.
ولحديث (المسلمون على شروطهم) وجه الاستدلال: أنه لما شرط عليه الرهن وقَبِل هذا الرهن فإنه يجب العمل بمقتضاه، ومقتضاه عدم التصرف فيه بغير إذن المرتهن.
ولقوله تعالى (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) وهذا دليل على أنه إذا حصل الائتمان لم يلزم القبض اكتفاء بالائتمان عليه، ولهذا أكد الله تعالى على المؤتمن أن يؤدي أمانته حيث أمره بالأداء وبتقوى الله.
فهذا المرتهن الذي شرط الرهن وتركه عند الراهن قد ائتمنه عليه وتركه عنده، وإذا كان قد ائتمنه عليه فإنه يجب الوفاء بما يقتضيه الرهن وهو أن يبقى عنده أمانة.
وقالوا: إن القول باشتراط القبض يؤدي إلى الخصومة والنزاع وفتح باب التحايل، لأن هذا الشخص إذا عقد العقد وعلم أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض فإنه سيعقد هذا العقد ويتحايل في تأخير قبض الرهن ثم بعد ذلك يتصرف فيه ببيع أو غيره، فينشأ عن ذلك النزاع والخصومة.
وهذا القول هو الراجح، وأما الجواب عن الآية (فرهان مقبوضة .. ) فقالوا: إن الله لم يذكر في الآية القبض على وجه الإطلاق، وإنما ذكره في حال معين وهو السفر، فهنا لا يمكن التوثقة إلا برهن مقبوضة، لأنك إذا لم تقبض الرهن وليس بينكما مكاتبة صار ذلك عرضة بأن يجحدك الراهن، ومما يدل على ذلك بقية الآية (فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمن أمانته) فهذا يدل على أنه إذا حصل الائتمان بيننا فإننا يجب أن نعتمد على أداء الأمانة سواء حصل القبض أم لم يحصل، وإلا لكانت هذه الجملة لا معنى لها.