م/ وقال -صلى الله عليه وسلم- (من أدركه ماله بعينهِ عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره) متفق عليه.
هذه الحالة الثانية التي يقدم فيها أحد الغرماء على البقية، وهو من وجد ماله بعينه عند من أفلس.
مثال: شخص باع على المفلس عشرة أكياس من الأرز وأفلس المشتري وحجر عليه الحاكم، ولكن جاء صاحب الأرز ووجد العشرة الأكياس موجودة ولم تتغير ولم يقبض من ثمنها شيئاً، فلصاحب الأكياس العشرة أنت أحق بها، خذ الأكياس وأمرك قد انتهى.
لحديث الباب الذي ذكره المصنف - رحمه الله - (مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ - أَوْ إنْسَانٍ - قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ).
بعينه: أي لم يتغير ولم يتبدل. فهو أحق به من غيره: أي كائناً من كان وارثاً وغريماً.
قد أفلس: المفلس شرعاً: ما تزيد ديونه على موجوده، سمي مفلساً لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير، إشارة إلى أنه صار لا يملك إلا أدنى الأموال وهي الفلوس، أو سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلا في الشيء التافه كالفلوس، لأنهم ما كانوا يتعاملون بها إلا في الأشياء الحقيرة، أو لأنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلساً.
• في هذا الحديث يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من باع متاعه [كسيارة، أو ثوباً، أو غيره] لأحد مؤجلاً، أو ودعه، فأفلس المشتري، بأن كان ماله لا يفي بديونه، فللبائع أخذ متاعه إذا وجد عينه، بأن كان بحالة لم تتغير صفاته بما يخرجه عن اسمه، ولم يقبض من ثمنه شيئاً، فحينئذٍ يكون أحق به من الغرماء.
وهذا مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة: أن من وجد عين ماله عند من أفلس، فهو أحق به من غيره.
قال ابن عبد البر: وممن قال بهذا الحديث، واستعمله وأفتى به، فقهاء المدينة، وفقهاء الشام، وفقهاء البصرة، وجماعة من أهل الحديث.
لحديث الباب.
• نستفيد من الحديث أن تقديم صاحب السلعة على غيره يكون بشرط: أن يجد ماله بعينه، أي لم يتغير ولم يتبدل، فإن تغير فهو أسوة الغرماء.
مثال: باع رجل على رجل بعيراً، ثم أفلس هذا الرجل، لكن البعير سمنت أكثر، فهنا لا يستحق هذا المال، بل يكون أسوة الغرماء.
كذلك إذا قبض من ثمنه شيئاً، فإنه في هذه الحالة لا حق له، ويكون أسوة الغرماء.
فقد جاء في رواية: (أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحق به).
فمفهومه أنه إذا قبض من ثمنه شيئاً كان أسوة الغرماء.
• اختلف العلماء إذا مات المفلس، هل يكون الرجل أحق بماله أو يكون أسوة الغرماء؟
فقال بعض العلماء: هو أحق بماله.
وهذا مذهب الشافعي.
قال الحافظ ابن حجر: واحتج الشافعي بحديث أبي هريرة قال: (قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) وهو حديث حسن يحتج بمثله، أخرجه أحمد وأبو داود.
وقيل: بل يكون أسوة الغرماء.
وهذا مذهب مالك وأحمد.
وفرقوا بين الفَلَس والموت: بأن الميت خربت ذمته فليس للغرماء محل يرجعون إليه فاستووا في ذلك بخلاف المفلس.
وبعضهم استدل بقوله: (من أدرك ماله بعينه عند رجل) وبعد موته لا يكون أدركه عند هذا الرجل، وإنما أدركه عند الورثة.
النوع الثاني: الحجر لحظ المحجور عليه