م/ وقال -صلى الله عليه وسلم- (لا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ: أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ).
ذكر المصنف - رحمه الله - حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ: أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِها بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ).
[جار] الجار المراد به هنا الملاصق [خشبة] أي من خشب سقفه الذي يسقف به داره. [في جداره] الضمير يعود على الجار [عنها] الضمير يعود إلى السنة المذكورة في كلامه [معرضين] أي غير مسارعين للعمل بها وتضييعها.
• في هذا الحديث نهى الجار أن يمنع جاره أن يضع خشبة على جدار جاره.
وهذا الحكم اختلف فيه العلماء:
تحرير محل النزاع:
أولاً: لا يدخل في هذا النزاع الانتفاع الذي ينتج عنه إلحاق ضرر بجدار الجار كتهديمه أو وهنه، فذلك غير جائز، لحديث: (لا ضرر ولا ضرار).
ثانياً: كذلك لا يدخل في هذا النزاع الانتفاع الذي ليس له به حاجة، فليس للجار أن يضع خشبة على جدار جاره إن كان به غنية عن ذلك، لأنه انتفاع بملك غيره بغير إذنه من غير حاجة، فلم يجز.
الخلاف وقع:
في الانتفاع غير المضر بالجار، وهو الذي يحتاج إليه المنتفع لتسقيف بيته أو قيام بنائه.
فهذا اختلف فيه العلماء على قولين:
القول الأول: لا يجوز وضع الخشب على حائط الجدار إلا بإذنه، وإن لم يأذن فلا يجز، لكن يستحب له بذله.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، والقول الجديد عند الشافعية. واستدلوا:
بعموم الآيات التي تنهى عن الظلم والتعدي على أموال الآخرين وحقوقهم.
كقوله تعالى:} وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً {.
وبالأحاديث التي تنهى عن أخذ أموال الآخرين ظلماً وعدواناً.
كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن دماؤكم وأموالكم عليكم حرام).
القول الثاني: أنه يجب على الجار أن يبذل حائطه لجاره مع الحاجة وقلة الضرر، وأنه يجبر على ذلك إذا امتنع.
وهذا مذهب الحنابلة، وبه قال أبو ثور، وإسحاق، وابن حزم.
واستدلوا بالحديث الذي ذكره المصنف - رحمه الله - (لا يمنعن .. ).
وجه الدلالة: أنه نهي صريح عن منع الجار من الانتفاع بجدار جاره، وظاهر النهي يقتضي التحريم، وبالتالي فلا يجوز للجار منع جاره من الانتفاع بجداره عند الحاجة.
وهذا القول هو الصحيح.
وأما الجواب عن أدلة أصحاب القول الأول:
أنها نصوص عامة، وحديث: (لا يمنع … ) خاص، والخاص يقضي على العام.