وقد وقع مصداق ذلك، فكان قتل عثمان رضي الله عنه على أيدي أهل العراق ومن مالأهم من أجلاف أهل مصر، وبقتله انفتح باب الفتن إلى يوم القيامة. وكانت في العراق أيضا وقعة الجمل وصفين وقتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما وأصحابه. وكانت فيه أيضا فتنة المختار وفتنة الحجاج وغير ذلك من الفتن العظيمة. وكذلك كانت فتنة بني العباس ودعاتهم في العراق وخراسان. وكذلك فتن الأهواء المضلة؛ فكلها ظهرت أول ما ظهرت بأرض العراق؛ كفتنة الخوارج، والرافضة، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية، ثم انتشرت بعد ذلك في أرجاء الأرض، وآخر ذلك فتنة المسيح الدجال، وهي أعظم فتنة تكون على وجه الأرض، وقد جاء في بعض الأحاديث: أنه يخرج من خراسان، وفي بعضها: أنه يخرج من العراق، وستأتي الأحاديث بذلك في ذكر الدجال إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا؛ فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد بقوله:«قرني الشيطان» : أول الفتن وآخرها وما بين ذلك من الفتن العظيمة، ويحتمل أنه أراد بذلك فتنة الهرج وفتنة الأهواء المضلة. والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
باب
أمان الناس من الفتن في حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن ربعي - وهو ابن حِراش - عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: كنا عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا. قال: