فقد أنكر بعض أهل الأهواء والبدع خروجه، وتبعهم على ذلك كثير من المنتسبين إلى العلم في زماننا، ومنهم أبو عبية في تقديمه لكتاب "النهاية" لابن كثير وفي عدة تعاليق له على "النهاية"؛ فقد زعم في المقدمة أن الدجال رمز لاستشراء الفتنة واستعلاء الضلال فترة من الزمان، وقال نحو ذلك في تعليقه على (ص٧١) ، وفي عنوان له في (ص٧٥) ، وفي تعليقه في (ص١١٨ وص١٤٨ وص١٥٢ وص ١٥٨) .
والأحاديث الصحيحة مما ذكرته تضرب في نحور المنكرين لخروج الدجال، وتنادي على كثافة جهلهم، بل تنادي على عدم تحقيقهم لشهادة أن محمدا رسول الله؛ لأن من لازم تحقيقها تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من الغيوب الماضية والآتية.
قال الله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} .
ولو لم يكن إلا الأمر بالاستعاذة من فتنة الدجال في آخر كل صلاة؛ لكان ذلك كافيا في إثبات خروجه والرد على من أنكر ذلك.
وقد روى عبد الرزاق في "مصنفه" عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول: "إنه سيخرج بعدكم قوم يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجال، ويكذبون بالحوض، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بقوم يخرجون من النار".
في إسناده علي بن زيد بن جدعان، روى له مسلم مقرونا بآخر، وحسن الترمذي حديثه، وقال يعقوب بن شيبة:"ثقة"، وقال أحمد وأبو زرعة:"ليس بالقوي"، وبقية رجاله ثقات.
وهذا الأثر له حكم المرفوع؛ لأن فيه إخبارا عن أمر غيبي، وذلك لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.