وقال ابن عطية:«مَنْ قال: إنَّ سِجِّيناً موضعٌ فكتابٌ مرفوعٌ، على أنه خبرُ» إنّ «والظرفُ الذي هو» لفي سِجِّين «مُلْغَى، ومَنْ جعله عبارةً عن الخَسارة، فكتابٌ خبرُ مبتدأ محذوفٍ، التقدير: هو كتابٌ، ويكونُ هذا الكلامُ مفسِّراً لِسِجِّين ما هو؟» انتهى، وهذا لا يَصِحُّ البتة؛ إذ دخولُ اللامِ يُعَيِّنُ كونَه خبراً فلا يكونُ مُلْغى. لا يقال: اللامُ تَدْخُلُ على معمولِ الخبرِ فهذا منه فيكونُ مُلْغى؛ لأنه لو فُرِضَ الخبرُ وهو «كتابٌ» عاملاً أو صفتُه عاملةٌ وهو «مرقوم» لامتنعَ ذلك. أمَّا مَنْعُ عملِ «كتابٌ» فلأنَّه موصوف، والمصدرُ الموصوفُ لا يعمل. وأمَّا امتناعُ عملِ «مرقومٌ» فلأنَّه صفةٌ، ومعمولُ الصفةِ لا يتقدَّمُ على موصوفِها. وأيضاً فاللامُ إنما تدخُلُ على معمولِ الخبر بشرطِه، وهذا ليس معمولاً للخبرِ، فتعيَّنَ أَنْ يكونَ الجارُّ هو الخبرَ، وليس بملغى. وأمَّا قولُه ثانياً «ويكون هذا الكلامُ مفسِّراً لسِجِّين ما هو» فمُشْكِلٌ؛ لأنَّ الكتابَ ليس هو الخسَارَ الذي جُعِلَ الضميرُ عائداً عليه مُخْبِراً عنه ب «كتابٌ» .
وقال الزمخشري:«فإنْ قلتَ: قد أخبر الله تعالى عن كتاب الفجار بأنه في سِجِّين وفَسَّر سِجِّيناً ب» كتاب مرقوم «فكأنه قيل: إنَّ كتابَهم في كتابٍ مرقوم فما معناه؟ قلت:» سِجِّين «كتابٌ جامعٌ، هو ديوانُ الشرِّ دَوَّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفَرَةِ والفَسَقَةِ من الجنِّ والإِنسِ، وهو كتابٌ مَسْطورٌ بَيِّنُ الكِتابةِ، أو مَعْلَمٌ يَعْلَمُ مَنْ رآهُ أنه لا خَيْرَ فيه فالمعنى: أنَّ ما كُتِبَ مِن أعمالِ الفُجَّارِ مُثْبَتٌ في ذلك الديوانِ،