قوله تعالى:{أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} : يجوز أن تكون الناقصة، وفي خبرها حينئذ وجهان، أحدهما:«أنَّى» لأنها بمعنى كيف، أو بمعنى مِنْ أين: و «لي» على هذا تبيينٌ. والثاني: أنَّ الخبرَ الجار و «كيف» منصوبٌ على الظرف. ويجوزُ أَنْ تكونَ التامَّة فيكونُ الظرفُ والجار كلاهما متعلِّقَيْنِ ب «يكون» لأنه تام، أي: كيف يحدث لي غلام، ويجوز أن يتعلَّقَ/ بمحذوفٍ على أنه حال من «غلام» لأنه لو تأخَّر لكان صفةً له.
وقوله:{وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر} جملةُ حاليةٌ، وفي موضع آخرَ {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر}[مريم: ٨] لأنَّ ما بَلَغَكَ فقد بَلَغْتَه. وقيل: لأنَّ الحوادثَ تَطْلُب الإِنسانَ. وقيل: هو من المَقْلوب كقوله:
١٢٦٤ - مثلُ القنافِذِ هَدَّاجون قد بَلَغَتْ ... نجرانُ أو بُلِّغَتْ سَوْءاتِهِمْ هَجَرُ
ولا حاجةَ إليه.
وقدَّم في هذه السورة حالَ نفسه، وأخَّر حالَ امرأته، وفي مريم عَكَس، فقيل: صدرُ الآيات في مريم مطابِقٌ لهذا التركيبِ لأنه قَدَّمَ وَهْنَ عظمِه واشتعالَ شَيْبِه وخِيفَةَ مواليهِ من ورائه، وقال:{وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً} فلمَّا أعَاد ذِكْرهما في استفهامٍ آخر ذَكَر الكِبَر ليوافِق «عِتِيَّاً» رؤوسَ الآي، وهو باب مقصود في الفصاحة، والعطفُ بالواو لا يقتضي ترتيباً زمانياً، فلذلك لم يُبالَ بتقديم ولا تأخير.