للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ} : اختُلِفَ في هذا الضمير، فقيل: يعود على الجنات، فيقال: كيف تَقَدَّمَ تثنيةٌ ثم أُتِي بضمير جَمْع؟

فالجوابُ: أنَّ أقلَّ الجمعِ اثنان على قولٍ، وله شواهدُ قد تقدَّم أكثرُها. وإمَّا أن يقالَ: عائدٌ على الجنات المدلولِ عليها بالجنتْين، وإمَّا أَنْ يقالَ: إنَّ كل فردٍ فردٍ له جنتان فصَحَّ أنها جناتٌ كثيرة، وإمَّا أنَّ الجنةَ تشتمل على مجالسَ وقصورٍ ومنازلَ فأطلقَ على كلِّ واحدٍ منها جنة. وقيل: يعودُ على الفُرُش. وهذا قولٌ حَسَنٌ قليلُ الكُلْفَةِ.

وقال الزمشخري: «فيهِنَّ: في هذه الآلاءِ المعدودة من الجنَّتَيْن والعينَيْن والفاكهةِ والفُرُشِ والجَنَى» . قال الشيخ: «وفيه بُعْدٌ» وكان قد اسْتَحْسَنَ الوجهَ الذي قبله. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الاستعمالَ أَنْ يُقال: على الفِراش كذا، ولا يقال: في الفِراش كذا إلاَّ بتكلُّف؛ فلذلك جَمَعَ الزمخشريُّ مع الفُرُش غيرَها حتى صَحَّ له أَنْ يقولَ: «فيهن» بحرف الظرفيَّة، ولأن الحقيقةَ أنَّ الفُرُشَ يكون الإِنسانُ عليها؛ لأنه مُستَعْلٍ عليها. وأمَّا كونُه فيها فلا يقال إلاَّ بمجازٍ. وقال الفراء: «كلُّ موضع في الجنةِ جنةٌ، فلذلك صَحَّ أَنْ يُقالَ: فيهِنَّ، والقاصِراتُ: الحابساتُ الطرفِ، أي: أعينُهُنَّ عن غيرِ أَزْواجهن. ومعناه: قَصَرْنَ ألحاظَهُنَّ على أزواجِهنَّ. قال امرؤ القيس:

<<  <  ج: ص:  >  >>