للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {أَفَرَأَيْتَ} : قد تقدَّمَ تحقيقُه. وقد تنازَعَ «أفرأيت» و «جاءهم» في قوله: «ما كانوا يُمَتَّعون» فإن أَعْمَلْتَ الثاني وهو «جاءهم» رَفَعْتَ به «ما كانوا» فاعلاً به، ومفعولُ «أرأَيْتَ» الأولُ ضميرُه، ولكنه حُذِفَ، والمفعولُ الثاني هو الجملةُ الاستفهاميةُ في قوله: «ما أَغْنَى عنهم» . ولا بُدَّ مِنْ رابطٍ بين هذه الجملةِ وبين المفعولِ الأولِ المحذوفِ، وهو مقدَّرٌ، تقديره: أفرأيْتَ ما كانوا يُوْعَدُون ما أغنى عنهم تَمَتُّعُهم، حين حَلَّ أي: الموعودُ به. ودَلَّ على ذلك قوةُ الكلامِ. وإنْ أَعْمَلَتْ الأولَ نصبْتَ به «ما كانوا يُوْعَدُون» وأَضْمَرْتَ في «جاءهم» ضميرَه فاعلاً به. والجملةُ الاستفهاميةُ مفعولٌ ثانٍ أيضاً. والعائدُ مقدرٌ على ما تقرَّرَ في الوجهِ قبلَه، والشرطُ معترضٌ، وجوابُه محذوفٌ. وهذا كلُّه مفهومٌ مما تقدَّم في سورةِ الأنعامِ، وإنما ذكرْتُه هنا لأنه تقديرُ عَسِرٌ يحتاج إلى تأمُّلٍ وحسنِ صناعةٍ، وهذا كلُّه إنَّما يتأتى على قولِنا: إنَّ «ما» استفهاميةٌ، ولا يَضُرُّنا تفسيرُهم لها بالنفي، فإن الاستفهامَ قد يَرِدُ بمعنى النفي. وأمَّا إذا جَعَلْتَها نافيةً حرفاً، كما قال أبو البقاء، فلا يتأتى ذلك؛ لأنَّ مفعولَ «أرأيت» الثاني لا يكونُ إلاَّ جملةً استفهاميةً كما تقرَّر غيرَ مرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>