قوله:{كَانُواْ قَلِيلاً} : فيه أوجهٌ؛ أحدها: أنَّ الكلامَ تَمَّ على «قليلاً» ، ولهذا وَقَفَ بعضُهم على «قليلاً» ليُؤاخيَ بها قولَه تعالى: {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ}[ص: ٢٤]{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور}[سبأ: ١٣] ويَبْتدىء {مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} . أي: ما يَهْجَعون من الليل، وهذا لا يَظْهر من حيث المعنى ولا من حيث الصناعة: أمَّا الأول فلا بُدَّ أن يَهْجَعوا ولا يُتَصَوَّرُ نَفْيُ هجوعِهم. وأمَّا الصناعةُ فلأنَّ ما في حيِّز النفي لا يتقدَّم عليه عند البصريين، هذا إنْ جَعَلْتَها نافيةً، وإنْ جَعَلْتَها مصدريةً صار التقديرُ: من الليل هجوعُهم. ولا فائدةَ فيه لأنَّ غيرَهم من سائر الناس بهذه المَثابة.
الثاني: أَنْ تجعلَ «ما» مصدريةً في محلِّ رفع ب «قليلاً» . والتقدير: كانوا قليلاً هجوعُهم.
الثالث: أَنْ تجعلَ «ما» المصدريةَ بدلاً من اسمِ كان بدلَ اشتمال، أي: كان هجوعُهم قليلاً، و «من الليل» على هذين لا يتعلَّق ب «يَهْجَعون» ؛ لأنَّ ما في حَيِّز المصدر لا يتقدَّم عليه على المشهورِ؛ وبعَضُ المانعين اغتفره في الظرفِ، فيجوزُ هذا عنده، والمانع يُقَدِّر فعلاً يدلُّ عليه «يَهْجَعون» أي: يهجعون من الليل.
الرابع: أن «ما» مزيدةٌ و «يَهْجَعون» خبرُ كان. والتقدير: كانوا يَهْجَعون من الليلِ هُجوعاً أو زمناً قليلاً؛ ف «قليلاً» نعتٌ لمصدرٍ أو ظرف. الخامس: أنها بمعنى الذي، وعائدُها محذوفٌ تقديره: كانوا قليلاً من الليل الوقتَ الذي يَهْجَعونه، وهذا فيه تكلُّفٌ.