قوله تعالى:{الحج أَشْهُرٌ} : «الحَجُّ» مبتدأ و «أشهرٌ» خبرهُ، والمبتدأ والخبرُ لا بد أَنْ يَصْدُقَا على ذاتٍ واحدة، و «الحَجُّ» فِعْلٌ من الأفعال، و «أشهرٌ» زمانٌ، فهما غَيْران، فلا بُدَّ من تأويل، وفيه ثلاثةُ احتمالاتٍ، أحدُهما: أنه على حَذْف مضافٍ من الأول، تقديره: أشهرُ الحجِّ أشهرٌ معلوماتٌ. الثاني: الحَذْفُ من الثاني تقديرُه: الحَجُّ حَجُّ أشهرٍ، فيكونُ حَذَفَ من كلِّ واحدٍ ما أَثْبَتَ نظيرَهُ. الثالث: ان تَجْعَلَ الحدثَ نفسَ الزمانِ مبالغةً، ووجهُ المجازِ كونُه حالاً فيه، فلما اتُّسِعَ في الظرفِ جُعِلَ نفسَ الحدثِ، ونظيرُها:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً}[الأحقاف: ١٥] / وإذا كان ظرفُ الزمانِ نكرةً مُخْبَراً به عن حَدَثٍ جاز فيه الرفعُ والنصبُ مطلقاً، أي: سواءً كان الحدث مستوعباً للظرفِ أم لا، هذا مذهبُ البصريين.
وأمَّا الكوفيون فقالوا: إنْ كانَ الحدثُ مستوعباً فالرفعُ فقط نحو: «الصومُ يومٌ» وإن لم يكن مستوعباً فهشام يلتزم رفعَه أيضاً نحو: «ميعادُك يومُ» والفراءُ يجيز نصبَهُ مثلَ البصريين، وقد نُقِلَ عنه أنه مَنَع نصْبَ «أشهر» يعني في الآية لأنها نكرةٌ، فيكونُ له في المسألة قولان، وهذه المسألةُ بعيدةُ الأطرافِ تضُمُّها كتبُ النحويين. قال ابن عطية:«ومَنْ قَدَّر الكلامَ: [الحج] في أشهر فيلزَمُهُ مع سقوطِ حرفِ الجر نصبُ الأشهر، ولم يقرأ به أحدٌ» قال الشيخ: «ولا يلزم ذلك، لأنَّ الرفعَ على جهةِ الاتساعِ، وإن كان أصلُهُ الجرَّ بفي» .
قوله:{فَمَنْ} : «مَنْ» يجوزُ فيها أن تكون شرطيةً، وأَنْ تكونَ موصولةً كما تقدَّم في نظائرها، و «فيهن» متعلِّقٌ ب «فَرَضَ» ، والضميرُ في «فيهن» يعودُ على «أشهر» ، وجيء به كضمير الإِناث لما تَقَدَّم مِنْ أَنَّ جمعَ غير العاقلِ في