قوله تعالى:{وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ} : اختلفَ الناسُ في هذه الآيةِ اختلافاً كثيراً واضطربوا اضطراباً شديداً، وأنا بعونِ اللَّهِ قد لَخَّصْتُ أقوالَهم مهذبةً، ولا سبيلَ إلى معرفةِ الإِعرابِ إلاَّ بعد معرفةِ المعنى المذكورِ في هذه الآيةِ.
وقد اختلفُوا في ذلك: فمنهم مَنْ قال: معناها أنَّ المَثَلَ مضروبٌ بتشبيهِ الكافِرِ بالناعِقِ. ومنهم مَنْ قالَ: هو مضروبٌ بتشبيهِ الكافر بالمنعوق به. ومنهم مَنْ قال: هو مضروبٌ بتشبيهِ الداعي والكافرِ بالناعقِ والمنعوقِ به. فهذه أربعةُ أقوالٍ.
فعلى القولِ الأولِ: يكون التقديرُ: «وَمَثَلُ الذين كفروا في قلةِ فَهْمِهِمْ كمثلِ الرعاةِ يُكَلِّمون البُهْمَ، والبُهْمُ لا تَعْقِلُ شيئاً» . وقيلَ: يكون التقديرُ: ومثلُ الذين كفروا في دعائِهم آلهتَهم التي لا تفقَه دُعَاءَهم كمَثَلِ الناعِقِ بغنمِهِ لا ينتفعُ من نعيقِهِ بشيءٍ، غيرَ أنَّه في عَناءٍ، وكذلك الكافرُ ليس له من دعائِهِ الآلهةَ إلا العَناءُ.
قال الزمخشري - وقد ذكر هذا القولَ - «إلاَّ أَنَّ قولَه {إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً} لا يساعدُ عليه لأنَّ الأصنامَ لا تَسْمَعُ شيئاً» . قال الشيخ:«ولَحَظَ الزمخشري في هذا القولِ تمامَ التشبيهِ من كلِّ جهةٍ، فكما أن المنعوق به لا يسمع إلا دعاءً ونداءً فكذلك مدعُوُّ الكافرِ من الصنمِ، والصنَمُ لا يسمع، فَضَعُفَ عنده هذا القولُ» قال: «ونحن نقول: التشبيهُ وَقَعَ في مُطْلَقِ الدعاءِ