قوله تعالى:{إِلاَّ مَنْ أَمَرَ} : في هذا الاستثناءِ قولان، أحدهما: أنه متصلٌ، والثاني: أنه منقطعٌ، وهما مبنيان على أن النجوى يجوز أن يُرادَ بها المصدرُ كالدَّعْوى فتكون بمعنى التناجي، وأَنْ يُرادَ بها القومُ المتناجُون إطلاقاً للمصدرِ على الواقع منه مجازاً نحو:«رجلٌ عَدْل وصَوْم» فعلى الأول يكون منقطعاً لأنَّ مَنْ أَمَر ليس تناجياً، فكأنه قيل: لكنْ مَنْ أَمَر بصدقةٍ ففي نجواه الخيرُ، والكوفيون يقدِّرون المنقطع ب «بل» ، وجَعَلَ بعضُهم الاستثناءَ متصلاً وإنْ أُريد بالنجوى المصدرُ، وذلك على حَذْفِ مضافٍ كأنه قيل: إلا نجوى مَنْ أَمَر، وإنْ جعلنا النجوى بمعنى المتناجين كان متصلاً. وقد عَرَفْتَ مِمَّا تقدَّم أن المنقطع منصوبٌ أبداً في لغة الحجاز، وأنَّ بني تميم يُجْرونه مُجْرى المتصل بشرط توجُّهِ العاملِ عليه، وأنَّ الكلامَ إذا كان نفياً أو شبهَه جاز في المستثنى الإِتباعُ بدلاً وهو المختار والنصبُ على أصل الاستثناء، فقوله {إِلاَّ مَنْ أَمَرَ} : إما منصوبٌ على الاستثناءِ المنقطع إنْ جَعَلْتَه منقطعاً في لغة الحجاز، أو على أصلِ الاستثناءِ إنْ جَعَلْتَه متصلاً، وإمَّا مجرورٌ على البدلِ من «كثير» أو مِنْ «نجواهم» أو صفةٌ لأحدهما: كما تقول: «لا تَمُرَّ