قوله تعالى:{فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} : تقدَّم نظيره، وهي في قراءةِ الناس ومصاحفِهم «العزيزُ الحكيم» وفي مصحف ابن مسعود - وقرأ بها جماعة -: «الغفورُ الرحيم» ، وقد عبِث بعض مَنْ لا يفهم كلامَ العرب بهذه الآيةِ، وقال:«إنما كان المناسب ما في مصحف ابن مسعود» وخَفِي عليه أنَّ المعنى متعلق بالشرطين جميعاً، ويوضِّح هذا ما قاله أبو بكر بن الأنباري، فإن نَقَل هذه القراءة عن بعض الطاعنين ثم قال:«ومتى نُقِل ما قاله هذا الطاعن ضَعُفَ معناه، فإنه ينفرد» الغفور الرحيم «بالشرط الثاني ولا يكون له بالشرط الأول تعلُّقٌ، وهو على ما أنزل الله وعلى ما أجمع على قراءته المسلمون معروف بالشرطين كليهما: أولهما وآخرهما، إذ تلخيصه: إنْ تعذبهم فأنت العزيز الحكيم، وإن تغفرْ لهم فأنتَ العزيزُ الحكيم في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران، فكأنَّ» العزيز الحكيم «أليقُ بهذا المكان لعمومه وأنه يجمع الشرطين، ولم يصلُحْ» الغفور الرحيم «أَنْ يحتمل من العموم ما احتمله» العزيز الحكيم «قلت:» وكلامُه فيه دقةٌ، وذلك أنه لا يريد بقوله «إنه معروف بالشرطين إلى آخره» أنه جوابٌ لهما صناعةً، لأنَّ ذلك فاسدٌ من حيث الصناعةُ العربية؛ فإنَّ الأول قد أخذ جوابَه وهو «فإنهم عبادُك» وهو جوابٌ مطابِقٌ فإنَّ العبدَ قابل ليصرّفه سيدُه كيف شاء، وإنما يريد بذلك أنه متعلق بهما من جهة المعنى. وقد أكثر الناسُ في الكلامِ على هذه الآية بما لا يحتمله هذا الموضوع، وإنما تعرَّضْتُ لبعضِها لتعلُّقِه بالقراءة الشاذة والرسم الشاذ.