قوله:{مَنْ خَلَقَ} : فيه وجهان، أحدُهما: أنه فاعلُ «يَعْلَمُ» والمفعول محذوفٌ تقديرُه: ألا يعلم الخالقُ خَلْقَه، وهذا هو الذي عليه جمهورُ الناسِ وبه بدأ الزمخشريُّ. والثاني: أنَّ الفاعلَ مضمرٌ يعود على الباري سبحانه وتعالى، و «مَنْ» مفعولٌ به أي: ألا يعلمُ اللَّهُ مَنْ خَلَقَه. قال الشيخ:«والظاهر أن» مَنْ «مفعولٌ، والمعنى: أينتفي علمُه بمَنْ خَلَقَه، وهو الذي لَطَفَ عِلْمُه ودَقَّ» ثم قال: «وأجاز بعضُ النَّحْويين أَنْ يكون» مَنْ «فاعلاً والمفعولُ محذوفٌ، كأنه قال: ألا يعلَم الخالقُ سِرَّكم وجهرَكم، وهو استفهامٌ، معناه الإِنكار» . قلت: وهذا الوجهُ الذي جَعَلَه هو الظاهر يَعْزِيه الناسُ لأهلِ الزَّيْعِ والبِدَعِ الدافِعين لعمومِ الخَلْق لله تعالى.
وقد أَطْنَبَ مكي في ذلك، وأنكر على القائلِ به ونسبه إلى ما ذكرتُ فقال:«وقد قال بعضُ أهلِ الزَّيْغِ: إن» مَنْ «في موضع نصبٍ اسمٌ للمُسِرِّين والجاهرين لَيُخْرَجَ الكلامُ عن عمومِه ويُدْفَعَ عمومُ الخَلْقِ عن الله تعالى، ولو كان كما زعم لقال: ألا يعلمُ ما خلق لأنه إنما تقدَّم ذِكْرُ ما تُكِنُّ الصدورُ فهو في موضعِ» ما «ولو أَتَتْ» ما «في موضعِ» مَنْ «لكان فيه أيضاً بيانُ العموم: أنَّ اللَّهَ خالقُ كلِّ شيءٍ مِنْ أقوال الخلقِ أَسَرُّوها أو أظهرُها خيراً كانَتْ أو شرّاً، ويُقَوِّي ذلك {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} ، ولم يقلْ: عليمٌ بالمُسِرِّين والمجاهرين وتكون» ما «في موضع