قوله تعالى:{إِذْ قَالَ الله} : في ناصبهِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: قوله: «وَمَكَرَ الله» أي وَمَكَر اللهُ بهم في هذا الوَقتِ. الثاني: أنه «خير الماكرين» . الثالث: اذكر مقدراً، فيكون مفعولاً به كما تقدَّم تقريرُه غيرَ مرةٍ.
قوله:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} فيه وجهان، أظهرُهما: أنَّ الكلامَ على حالهِ من غيرِ ادِّعاءِ تقديمٍ وتأخيرٍ فيه، بمعنى: إني مستوفي أجلِك ومؤخِّرُك وعاصِمُك مِنْ أَنْ يقتُلَكَ الكفار إلى أن تموتَ حَتْفَ أنفِكَ من غيرِ أَنْ تُقْتَلَ بأيدي الكفارِ ورافعُكَ إلى سمائي.
والثاني: أنَّ في الكلام تقديماً وتأخيراً، والأصلُ: رافُعك إليّ ومتوفيك لأنه رُفِع إلى السماء ثم يُتَوَفَّى بعد ذلك، والواوُ للجمعِ فلا فَرْقَ بين التقديم والتأخيرِ، قاله أبو البقاء وبدأ به، ولا حاجةَ إلى ذلك مع إمكانِ إقرارِ كلِّ واحدٍ في مكانِهِ بما تقدَّم من المعنى، إلاَّ أنَّ أبا البقاءِ حَمَلَ التوفِّيَ على الموتِ، وذلك إنما هو بعدَ رَفْعِهِ ونزولِهِ إلى الأرض وحكمهِ بشريعةِ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي قوله {والله خَيْرُ الماكرين}[آل عمران: ٥٤] إيقاعُ الظاهرِ موقعَ المضمرِ، إذ الأصلُ: ومكرُوا ومكرَ اللهُ وهو خير الماكرين.
قوله:{وَجَاعِلُ الذين اتبعوك} فيه قولان، أظهرُهُما: أنه خطابٌ لعيسى عليه السلام، والثاني: أنه خطابٌ لنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيكونُ الوقفُ على قوله:{مِنَ الذين كَفَرُواْ} تاماً، والابتداءُ بما بعده، وجاز هذا لدلالةِ الحالِ عليه. و {فَوْقَ الذين كَفَرُواْ} ثاني مفعولَيْ جاعل لأنه بمعنى مُصَيِّر فقط.