قولُهُ:«إنْ ظَنَّا» شرطٌ جوابُهُ محذوفٌ عند سيبويهِ لدلالةِ ما قبلَه عليه، ومتقدِّمٌ عند الكوفيين وأبي زيد. والظَّنُّ هنا على بابِهِ من ترجيحِ أحدِ الجانبين، وهو مُقَوٍّ أن الخوفَ المتقدِّمَ بمعنى الظَّنِّ. وزعم أبو عبيدة وغيرُهُ أنه بمعنى اليقين، وضَعَّفَ هذا القولَ الزمخشري لوجهين، أحدُهما من جهةِ اللفظِ وهو أَنَّ «أَنْ» الناصبة لا يعمل فيها يقينٌ، وإنما ذلك للمشدَّدة والمخففةِ منها، لا تقول: عَلِمْتُ أَنْ يقومَ زيدٌ/، إنما تقولُ: عَلِمْتُ أن يقومَ زيدٌ. والثاني من جهةِ المعنى: فإنَّ الإِنسانَ لا يتيقَّنُ ما في الغدِ وإنما يَظُنُّه ظناً.
قال الشيخ:«أمَّا ما ذكرَهُ من أنه لا يقال:» علمت أن يقومَ زيد «فقد ذكره غيرُه مثل الفارسي وغيره، إلا أن سيبويه أجاز:» ما علْمتُ إلا أن يقومَ زيدٌ «فظاهرُ هذا الردُّ على الفارسي. قال بعضُهم: الجمعُ بينهما أنَّ» عَلِمَ «قد يُرَادُ بها الظَّنُّ القويُّ كقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ}[الممتحنة: ١٠] وقوله:
٩٧٩ - وأعلمُ علمَ حقٍ غيرِ ظنٍّ ... وتَقْوى اللَّهِ من خير العتادِ
فقوله:» علمَ حق «يُفْهَمُ منه أنه قد يكونُ علمَ غيرِ حق، وكذا قولُه:» غيرِ ظَنٍّ «يُفْهَمُ [منه] أنه قد يكونُ عِلْمٌ بمعنى الظن. ومِمَّا يدلُّ على أنَّ» عَلِمَ «التي بمعنى» ظَنَّ «تعملُ في» أَنْ «الناصبةِ قولُ جرير: