أنت أقربُ إليَّ، و» أقرب من التقوى «يقتضي أن يكونَ العفوُ والتقوى قريبَيْن، ولكنَّ العفوَ أشدُّ قُرباً من التقوى، وليس معنى الآية على هذا» انتهى.
فَجَعَلَ اللامَ للعلة لا التعديةِ، و «إلى» للتعديةِ.
واعلمْ أنَّ فِعْلَ التعجب وأفعلَ التفضيلِ يتعدَّيان بالحرفِ الذي يتعدَّى به فعلُهما قبل أن يكونَ تعجباً وتفضيلاً نحو:«ما أزهدني فيه وهو أزهدُ فيه» ، وإنْ كان من متعدٍّ في الأصلِ: فإن كان الفعلُ يُفْهِمُ علماً أو جَهْلاً تعدَّيا بالباءِ نحو: «هو أعلمُ بالفقه» ، وإنْ كان لا يُفْهِمُ ذلك تعدَّيا باللامِ نحو:«ما أضربَكَ لزيدٍ» ، و «أنت أضربُ لعمروٍ» إلاَّ في بابِ الحُبِّ والبغضِ فإنهما يتعدَّيان إلى المفعولِ ب «في» نحو: «ما أحبَّ زيداً في عمروٍ وأبغضه في خالدٍ، وهو أحبُّ في بكر وأبغض في خالد» وإلى الفاعل المعنوي ب «إلى» نحو: «زيدٌ أحبُّ إلى عمروٍ من خالد، وما أحبَّ زيداً إلى عمرو» ، أي: إنَّ عمراً يحبُ زيداً. وهذه قاعدةٌ جليلةٌ قَلَّ مَنْ يَضْبِطُها.
والمُفَضَّلُ عليه في الآيةِ الكريمةِ محذوفٌ، تقديرُه: أقربُ للتقوى من تَرْكِ العفوِ. والياءُ في التقوى بدلٌ من واو، وواوُها بدلٌ من ياءٍ لأنها من وَقَيْتُ أقِي وقايةً، وقد تقدَّم ذلك أول السورةِ.
قوله:{وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل} الجمهورُ على ضَمِّ الواو مِنْ «تَنْسَوا» لأنها واوُ ضميرٍ. وقرأ ابن يعمر بكسرِها تشبيهاً بواو «لو» كما ضَمُّوا الواو من «لو» تشبيهاً بواوِ الضميرِ. وقال أبو البقاء «في واو» تَنْسَوا «من القراءات ووجوهها ما ذكرناه في {اشتروا الضلالة}[البقرة: ١٦] . وكان قد قَدَّم فيها خمسَ قراءاتٍ، فظاهرُ كلامِه عَوْدُها كلِّها إلى هنا، إلاَّ أنه لم يُنْقَلْ هنا إلا الوجهان اللذان ذَكَرْتُهما.