قوله:{إِلاَّ قَلِيلاً} نصبٌ على الاستثناء المتصلِ من فاعل «تَوَلَّوا» والمستثنى لا يكونُ مبهماً، لو قلت:«قام القومُ إلا رجالاً» لم يَصِحَّ، وإنما صَحَّ هذا لأنَّ «قليلاً» في الحقيقةِ صفةٌ لمحذوفٍ، ولأنه قد تَخَصَّص بوصفِه بقولِه:«منهم» ، فَقَرُبَ من الاختصاصِ بذلك.
وقرأ أُبَي:«إلاَّ أن يكونَ قليلٌ منهم» وهو استثناءٌ منقطعٌ، لأنَّ الكونَ معنىً من المعاني والمستثنى منه جُثَتٌ. وهذه المسألةُ/ تحتاجُ إلى إيضاحها لكثرة ِفائدتِها. وذلك أنّ العربَ تقول:«قام القومُ إلا أَنْ يكونَ زيدٌ وزيداً» بالرفع والنصبِ، فالرفعُ على جَعْلِ «كان» تامةً، و «زيدٌ» فاعلٌ، والنصبُ على جَعْلَهَا ناقصةً، و «زيداً» خبرُها واسمُها ضميرُ عائدٌ على البعض المفهومِ من قوةِ الكلامِ، والتقديرُ: قام القوم إلا أَنْ يكونَ هو - أي بعضُهم - زيداً، والمعنى: قام القوم إلا كونَ زيدٍ في القائمين، وإذا انتفى كونُه قائماً انتفى قيامُهُ. فلا فرقَ من حيث المعنى بين العبارتين، أعني «قام القوم إلا زيداً» و «قاموا إلا أن يكون زيداً» ، إلا أن الأولَ استثناءٌ متصلٌ، والثاني منقطعٌ لِما تقدَّم تقريرُه.