وقرأ أبو عمرو والحرمِيَّان:» وما يُخَادِعون «كالأولى، والباقون: وما يَخْدعون، فيُحتمل أن تكونَ القراءتان بمعنىً واحد، أي يكون فاعَلَ بمعنى فَعَل، ويُحتمل أن تكونَ المفاعلةُ على بابها، أعني صدورَها من اثنين، فهم يُخادعون أنفسَهم، حيثُ يُمَنُّونَها الأباطيلَ، وأنفُسُهم تخادِعهم حيث تُمَنِّيهم ذلك أيضاً فكأنها محاورةٌ بين اثنين، ويكون هذا قريباً من قول الآخر:
١٧٥ - لم تَدْرِ ما لا ولستَ قائلَها ... عُمْرَكَ ما عِشْت آخرَ الأبدِ
ولم تُؤامِرْ نَفْسَيْكَ مُمْتَرِياً ... فيها وفي أختِها لم تَكَدِ
وقال آخرُ:
١٧٦ - يؤامِرُ نَفْسَيْهِ وفي العيشِ فُسْحَةٌ ... أَيَسْتَوْقِعُ الذُّوبانَ أَمْ لا يَطورُها
وقوله» إلا أنفسَهم «:» إلا «في الأصل حَرف استثناء، ِ وأنفسَهم مفعول به، وهذا الاستثناءُ مفرغٌ، وهو عبادرةٌ عما افْتَقَر فيه ما قبلَ» إلا «لِما بعدها، ألا ترى أن» يُخادعون «يَفْتَقِرُ إلى مفعولٍ، ومثلُه:» ما قام إلا زيدٌ «فقام يفتقر إلى فاعل، ٍ والتامُّ بخلافِه، أي: ما لم يَفْتَقِرْ فيه ما قبلَ» إلاَّ «لِما بعدها، نحو: قام القومُ إلا زيداً، وضرْبتُ القوم إلا بكراً، فقام قد أخذ فاعلَه، وضرْبتُ أخذ مفعولَه، وشرطُ الاستثناء المفرغ أن يكونَ بعد نفيٍ أو شِبْههِ كالاستفهام والنفي. وأمَّا قولُهم:» قرأتُ إلا يومَ كذا «فالمعنى على نفيٍ مؤول تقديره: