عند البصريين أنَّ هذا المصدرَ المنسَبِكَ من» أَنْ «المضمرةِ مع الفعلِ المنصوبِ بها هو مرفوعٌ معطوفٌ على مصدرٍ متوهَّمٍ مرفوعٍ، تُقَدِّره من المعنى. فإذا قلت:» ما تأتينا فتحدثَنا «فالتقديرُ: ما يكون منك إتيانٌ فحديثٌ، وكذلك:» إنْ تجيءْ وتُحْسِنَ إليَّ أُحْسِنْ إليك «التقدير: إن يكنْ منك مجيء وإحسان أُحْسن إليك، فعلى هذا يكون التقديرُ: وإنْ تُخْفوها وتُؤْتوها الفقراءَ فيكونُ زيادةُ خيرٍ للإِخفاءِ على خيرِ الإِبداء وتكفيرٌ» . انتهى ولم أَدْرِ ما حَمَلَ الشيخ على العدولِ عن تقدير أبي القاسم إلى تقديرِهِ وتطويلِ الكلامِ في ذلك مع ظهورِ ما بين التقديرين؟ .
وقال المهدوي:«هو مُشَبَّهٌ بالنصبِ في جوابِ الاستفهامِ، إذ الجزاءُ يَجِبُ به الشيءُ لوجوبِ غيرهِ كالاستفهامِ» . وقال ابنُ عطية:«الجزمُ في الراءِ أفصحُ هذه القراءاتِ لأنها تُؤْذِنُ بدخولِ التكفيرِ في الجزاء وكونِهِ مشروطاً إنْ وقع الإِخفاءُ، وأمَّا رفعُ الراء فليسَ فيه هذا المعنى» قال الشيخ: «ونقولُ إنَّ الرفعَ أبلغُ وأَعَمَُّ، لأنَّ الجزمَ يكونُ على أنه معطوفٌ على جوابِ الشرطِ الثاني، والرفعُ يدلُّ على أنَّ التكفير مترتِّبٌ من جهةِ المعنى على بَذْلِ الصدقاتِ أُبْدِيَتْ أو أخْفيت، لأنَّا نعلمُ أنَّ هذا التكفيرَ متعلِّقٌ بما قبلَه، ولا يختصُّ التكفيرُ بالإخفاءِ فقط، والجزمُ يُخَصِّصُهُ به، ولا يمكن أَنْ يقالَ إن الذي يُبدي الصدقاتِ لا يكفِّرْ من سيئاتِهِ، فقد صارَ التكفيرُ شاملاً للنوعَيْنِ من إبداءِ الصدقاتِ وإخفائِها وإنْ كانَ الإِخفاءُ خيراً» .
قوله:{مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} في «مِنْ» ثلاثةُ أقوالٍ، أحدُها: للتبعيض،