الجميعِ من الرسل. قال الزمخشري: كقوله: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة: ٤٧] ، ولذلكَ دَخَل عليه «بين» وقال الواحدي: «وبين» تقتضي شيئين فصاعداً، وإنما جاز ذلك مع «أحد» وهو واحدٌ في اللفظِ، لأنَّ «أحداً» يجوزُ أَنْ يُؤَدَّى عن الجميعِ، قال الله تعالى:{فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وفي الحديث: «ما أُحِلَّتْ الغنائمُ لأحدٍ سودِ الرؤوسِ غيرِكم» يعني فوصَفَه بالجمع، لأنَّ المرادَ به جمعٌ. قال:«وإنَّما جازَ ذلكَ لأن» أحداً «ليس كرجل يجوز أن يُثَنَّى ويُجْمع، وقولُك:» ما يفعل هذا أحدٌ «تريد ما يفعلُه الناسُ كلُّهم، فلمٌا كان» أحد «يؤدَّى عن الجميع جاز أَنْ يُسْتعمل معه لفظُ» بَيْن «وإنْ كان لا يجوز أَنْ تقولَ:» لا نفرِّقُ بين رجلٍ منهم «.
قلت: وقد رَدَّ بعضُهم هذا التأويلَ فقال:» وقيل إنَّ «أحداً» بمعنى جميع، والتقديرُ: بين جميعِ رسلهِ «ويَبْعُدُ عندي هذا التقديرُ، لأنه لا ينافي كونَهم مفرِّقين بين بعضِ الرسلِ، والمقصودُ بالنفي هو هذا؛ لأن اليهود والنصارى ما كانوا يُفَرِّقون بين كلَّ الرسلِ بل البعضُ. وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَبَت أنَّ التأويل الذي ذكروه باطلٌ، بل معنى الآية: لا نفرِّق بين أحدٍ من رسلهِ وبين غيرهِ في النبوة، وهذا وإنْ كان في نفسه صحيحاً إلا أنَّ القائلين بكونِ» أحد «بمعنى جميع، وإنما يريدون في العمومِ المُصَحِّح لإِضافة» بين «إليه/، ولذلك يُنَظِّرونه بقولِه تعالى:{فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ} وبقوله:
١١٤٦ - إذا أمورُ الناسِ دِيكَتْ دُوْكاً ... لا يَرْهَبُون أحداً رَأَوْكا
فقال:» رَأَوْكَ «اعتباراً بمعنى الجميعِ المفهومِ من» أحد «.