قوله:{كَيْفَ يَشَآءُ} في هذه الآية أوجهٌ، أظهُرها: أن «كيف» للجزاءِ، وقد جُوزي بها في لسانهم في قولِهم:«كيفَ تَصْنَعُ أصنعُ، وكيف تكونَ أكونُ» إلا أنه لا يجزم بها، وجوابُها محذوفٌ لدلالةِ ما قبلَها، وكذلك مفعولٌ «يشاء» لِما تقدَّم أنه لا يُذْكَرُ إلا لغرابةٍ، والتقديرُ: كيف يشاء تصويرَكم يصوِّرُكم، فَحُذِف «تصويركم» لأنه مفعولُ يشاء، و «يصوركم» لدلالة «يصوركم» الأول عليه، ونظيره قولُهم:«أنت ظالم إنْ فعلْتَ» تقديره: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم. وعند مَنْ يُجيز تقديمَ الجزاء في الشرط الصريح يَجْعَلُ «يصوِّركم» المتقدم هو الجزاء.
و «كيف» منصوبٌ على الحال بالفعلِ بعدَه، والمعنى: على أيِّ حال شاءَ أنْ يُصَوِّركم صوَّركم، وتقدَّم الكلام على ذلك في قولِه:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ}[البقرة: ٢٨] . ولا جائزٌ أن تكون «كيف» معمولةً ليُصَوِّركم لأنَّ لها صدرَ الكلام، وما له صدُر الكلام لا يعملُ فيه إلا أحدُ شيئين: إمَّا حرفُ الجر نحو: بمَنْ تمر؟ وإمَّا المضافُ نحو:«غلامُ مَنْ عندك؟» الثاني: أن تكون «كيف» ظرفاً ليشاء، والجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال من ضمير اسم الله تعالى تقديرُه: يصوِّركم على مشيئة أي مريداً. الثالث: كذلك إلا أنه حالٌ من مفعول «يصوِّركم» تقديرُه: يصوركم متقلبين على مشيئته. ذَكَر الوجهين أبو البقاء، ولَمَّا ذَكَرَ غيُره كونَها حالاً من ضمير اسمِ الله قَدَّرها بقولِه: يُصَوِّركم في الأرحامِ قادراً على تصويركم مالكاً ذلك. الرَابعُ: أَنْ تكونَ الجملةُ في موضعِ المصدرِ، المعنى: يُصَوِّركم في الأرحام تصويرَ المشيئة وكما يشاء، هكذا قال الحوفي. وفي قوله:«الجملةُ في موضعِ المصدرِ» تسامحٌ لأنَّ الجملَ لا تقوم مقام المصادر، ومرادُه أنَّ «كيف» دالَّةٌ على ذلك،