تخفيفاً، وأن الأصلَ: الذين، ثم خُفِّف بالحذفِ، وكأنه جَعَلَه مثلَ قولِه تعالى في الآية الأخرى:{وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا}[التوبة: ٦٩] ، وقول الشاعر:
٢١١ - وإنَّ الذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهم ... هُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ
والأصل: كالذينَ خاضُوا، وإنَّ الذين حانَتْ. وهذا وَهْمٌ فاحش، لأنه لو كان من باب ما حُذِفَتْ منه النونُ لوجَبَ مطابقةُ الضميرِ جمعاً كما في قوله:«كالذي خاضوا» و «دماؤُهُمْ» ، فلمَّا قال تعالى:«استوقد» بلفظ الإِفراد تعيَّن أحدُ الأمرين المتقدِّمين: إمَّا جَعْلُه من باب وقوعِ المفردِ موقعَ الجمعِ لأن المرادَ به الجنسُ، أو أنه من باب ما وقع فيه صفةً لموصوف يُفْهِم الجَمْعَ.
وقال الزمخشري ما معناه: إنَّ هذه الآيةَ مثلُ قولِه تعالى: {كالذي خاضوا} /، واعتلَّ لتسويغِ ذلك بأَمْرين: أحدُهما أنَّ «الذي» لمَّا كانَ وُصْلَةً لوصفِ المعارفِ ناسَبَ حَذْفَ بعضِه لاستطالتِه، قال:«ولذلك نَهَكُوه بالحَذْفِ، فحذَفوا ياءَه ثم كَسْرَتَه ثم اقتصروا منه على اللامِ في أسماء الفاعِلِين والمفعولين» . والأمرُ الثاني: أنَّ جَمْعَه ليس بمنزلةِ جَمْعِ غيرِه بالواو والنون، إنما ذلك علامةٌ لزيادةِ الدلالةِ، ألا ترى أن سائرَ الموصولاتِ لَفْظُ الجمع والمفردِ فيهنَّ سواءٌ. وهذا القولُ فيه نَظَرٌ مِنْ وجهين، أحُدهما: أنَّ قول ظاهرٌ في جَعْلِ هذه الآيةِ من باب حَذْف نون «الذين» ، وفيه ما تقدَّم من أنه كان ينبغي أن يطابقَ الضميرَ جَمْعاً كما في الآية الأخرى التي نَظَّر بها. والوجهُ الثاني: أنه اعتقدَ كونَ أل الموصولةِ بقيةَ «الذي» ، وليس كذلك، بل أل الموصولةُ اسمٌ موصولٌ مستقل، أي: غيرُ مأخوذٍ من شيءٍ، على أن الراجحَ