قوله:{إِذْ يُلْقُون} فيه وجهان أحدُهما: وهو الظاهر أنه منصوب بالاستقرار العاملِ في الظرفِ الواقِعِ خبراً. والثاني وإليه ذهب الفارسي أنه منصوبٌ بكنت، وهو عجيبٌ منه لأنه يزعمُ أنَّها مسلوبةُ الدلالة على الحَدَثِ فكيف تعملُ في الظرفِ والظرفُ وِعاءٌ للأحداثِ؟ والذي يظهر أن الفارسي إنما جَوَّز ذلك بناءً منه على ما يَجُوزُ أَنْ يكونَ مراداً في الآية، وهو أَنْ تكونَ «كان» تامةً بمعنى: وما وُجِد في ذلك الوقتِ.
والضميرُ في «لديهم» عائدٌ على المتنازِعَيْنِ في مريم وإنْ لم يَجْرِ لهم ذِكْرٌ، لأنَّ السياقَ قَد دَلَّ عليهم، وهذا الكلامُ ونحوُه كقولِهِ تعالى:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور}[القصص: ٤٦]{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أجمعوا أَمْرَهُمْ}[يوسف: ١٠٢] وإن كانَ معلوماً انتفاؤه بالضرورةِ جارٍ مَجْرى التهكم بمنكري الوَحْي، يعني أنه إذا عُلِمَ أنك لم تعاصِرْ أولئك ولم تُدَارِس أحداً في العلمِ فلم يَبْقَ اطلاعُك عليه إلا مِنْ جِهَةِ الوحي.
والأقلام جمع «قَلَم» وهو فَعَل بمعنى مفعول أي: مَقْلوم، والقَلْم القَطْع، ومثلُه القبض والنقص بمعنى المقبوض والمنقوص، وقيل له: قَلَم؛ لأنه يُقْلَمُ، ومنه «قَلَّمْتُ ظُفْرِي» أي: قَطَعْتُهُ وَسَوَّيْتُهُ، قال زهير:
١٢٧٩ - لدى أَسَدٍ شاكي السلاحِ مُقَذَّفٍ ... له لِبَدٌ أضفارُهُ لمْ تُقَلَّمِ
وقيل: سُمِّي القلمُ قَلَماً تشبيهاً له بالقُلامَةِ وهي نبتُ ضعيف؛ وذلك أنه يُرَقَّق فيضْعُفُ. وفي المرادِ بالأقلام هنا خلافٌ: هل هي التي يُكْتَبُ بها أو قِداحٌ يُسْتَهَمُ بها كالأزلام؟