فإنْ قيل:[المُسْتَغرَبُ إنما هو كلامُ الطفلِ في] المهدِ، وأمَّا كلامُ الكهولِ فغيرُ مُسْتَغرَبٍ، فالجوابُ أنهم قالوا: لم يتكلم صبيٌّ في المَهْدِ وعاش، أو لم يتكلَّمْ أصلاً بل يبقى أخرسَ أبداً، فبشَّر اللهُ مريم بأنَّ هذا يتكلم طفلاً ويعيشُ ويتكلم في حالِ كهولته، ففيه تطمينٌ لخاطِرها بما يخالِفُ العادةَ. وقال الزمخشَري:» بمعنى يُكلِّمُ الناسَ طفلاً وكهلاً، ومعناهُ يُكَلِّمُ الناسَ في هاتين الحالتين كلامَ الأنبياءِ من غير تفاوتٍ بين الحالتين: حالةِ الطفولة وحالةِ الكُهولة «.
والمَهْدُ: ما يُهَيَّأُ للصبي أَنْ يُرَبَّى فيه، مِنْ مَهَّدْتُ له المكانَ أي: وَطَّأْته وَلَيَّنْتُه له، وفيه احتمالان، أحدُهما: أن يكونَ أصلُه المصدرَ، فَسُمِّيَ به المكانُ، وأن يكونَ بنفسِه اسمَ مكانٍ غيرَ مصدرٍ، وقد قُرِيءَ مَهْداً ومِهاداً في طه كما سيأتي.