الفصلِ المُفْرِطِ وتعقيدِ التركيبِ وتنافرِ الكلامِ، وأمَّا من حيث المعنى فإنَّ المعطوفَ بالواوِ شريكُ المعطوف عليه فيصيرُ المعنى بقوله:{ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب} أي: إخبارُك يا محمد بقصةِ امرأةِ عمران وودلاتِها لمريم وكفالتِها زكريا، وقصتُه في ولادةِ يَحْيى له وتبشيرُ الملائكةِ لمريمَ بالاصطفاءِ والتطهيرِ، كلُّ ذلك مِنْ أخبارِ الغيب نُعَلِّمه، أي: نُعَلِّم عيسى الكتابَ، فهذا كلامٌ لا ينتظم معناه مع معنى ما قبله. وأمَّا قراءةُ الياءِ وعطفُ «ويعلِّمه» على «يَخْلُق» فليست مُفسِدَةً للمعنى، بل هو أَوْلَى وأَصَحُّ ما يُحْمل عليه عَطْفُ «ويُعَلِّمه» لقرب لفظِهِ وصحةِ معناه، وقد ذَكَرْنَا جوازَهُ قبلُ، ويكونُ الله أَخْبَرَ مريمَ بأنه تعالى يَخْلُقُ الأشياءَ الغريبةَ التي لم تَجْرِ العادةُ بمثلِها مثلَ ما خلق لك ولداً من غير أبٍ، وأنه تعالى يُعَلِّم هَذا الولدَ الذي يَخْلُقه ما لم يُعَلِّمه مَنْ قَبْلَه مِن الكتاب والحكمة والتوراة والإِنجيل، فيكونُ في هذا الإِخبار أعظمُ تبشيرٍ لها بهذا الولدِ وإظهارٌ لبركته، وأنه ليس مُشْبِهاً أولادَ الناس من بني إسرائيل، بل هو مخالِفٌ لهم في أصلِ النشأةِ، وفيما يُعَلِّمه تعالى من العلمِ، وهذا يَظْهَرُ لي أنه أحسنُ ما يُحْمَلُ عَطْفُ «ويُعَلِّمه» .
انتهى.
وقال أبو البقاء:«ويُقْرَأُ بالنونِ حَمْلاً على قولِهِ: {ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيكَ} ، ويُقْرَأُ بالياءِ حَمْلاً على» يُبَشِّرك «وموضعُهُ حالٌ معطوفَةٌ على» وجيهاً «. قال الشيخ:» وقالَ بعضُهم: ونُعَلِّمُه بالنون حَمْلاً على «نُوحيه» . إنْ عنى بالحَمْلِ العطفَ فلا شيءَ أبعدُ من هذا التقديرِ، وإنْ عنى بالحَمْل أنه من بابِ الالتفاتِ فهو صحيح «. قلت: يتعيَّن أَنْ يَعني بقولِهِ» حَمْلاً «الالتفاتَ ليس إلا، ولا يجوز أنْ يَعْني به العطفَ لقوله:» وموضعُهُ حالٌ معطوفةٌ