قوله:{بَعْضَ الذي حُرِّمَ} المرادُ ببعض مدلولُهُ الأصلي، وقال أبو عبيدة «إنها هنا بمعنى» كل «مستدلاً بقولِ لبيد:
١٣٠٤ - تَرَّاكُ أمكنةٍ إذا لم أَرْضَها ... أو يَرْتَبِطْ بعضَ النفوسِ حِمامُها
وقد رَدَّ الناسُ عليه بأنه كان يَلْزَمُ أن يُحِلَّ لهم الربا والسرقة والقتل لأنها كانت مُحَرَّمةً عليهم، فلو كان المعنى: ولأِحِلَّ لكم كلَّ الذي حُرِّم عليكم لأَحَلَّ لهم ذلك كله. واستَدَلَّ بعضُهم على أنَّ» بعضاً «بمعنى» كل «بقولِ الآخر:
١٣٠٥ - أبا منذرٍ أَفْنَيْتَ فاستَبِقْ بعضَنَا ... حَنَانَيْكَ بعضُ الشرِّ أهونُ من بعضِ
أي: أهونُ من كل الشرِّ، واستدلَّ آخرون بقولِ الآخر:
١٣٠٦ - إنَّ الأمورَ إذا الأحداثُ دَبَّرها ... دونَ الشيوخِ تَرى في بعضِها خَلَلا
أي: في كلِّها خَلَلاً، ولا حاجةً إلى إخراجِ اللفظِ عن مدلولِهِ مع إمكان صحة معناه، إذ مرادُ لبيد ببعضٍ النفوس نفسُه هو، والتبعيضُ في البيتين الآخرين واضحٌ فإنَّ الشرَّ بعضُه أهونُ من بعضٍ آخرَ لا مِنْ كله، وكذلك ليس كلُّ أمرٍ دَبَّره الأحداثُ كان فيه خَلَلٌ، بل قد يأتي تدبيرُهُ أحسنَ من تدبيرِ الشيخ.