فإن قُلْنا: هو متعدٍّ لاثنين كان المفعولُ الأول هو الضميرَ، والمفعولُ الثاني «في ظلمات» و «لا يُبْصرون» حالٌ، وهي حالٌ مؤكدة لأنَّ مَنْ كان في ظلمة فهو لا يُبْصِرُ، وصاحبُ الحالِ: إمّا الضميرُ المنصوبُ أو المرفوعُ المستكنُّ في الجارِّ والمجرورِ. ولا يجوزُ أن يكونَ «في ظلمات» حالاً، و «لا يُبْصِرون» هو المفعولَ الثاني لأن المفعولَ الثاني خبرٌ في الأصل، والخبرُ لا يؤتَى به للتأكيد، وأنت إذا جعلت «في ظلمات» حالاً فُهِمَ منه عَدَمُ الإِبصارِ، فلم يُفِدْ قولُك بعد ذلك لا «يُبْصرون» إلا التأكيدَ، لكنَّ التأكيدَ ليس من شأن الإِخبار، بل من شأنِ الأحوال لأنها فَضَلاتٌ. ويؤيِّد ما ذكرتُ أن النَّحْويين لَمَّا أَعربُوا قولَ امرئ القيس:
٢٢٢ - إذا ما بكى مِنْ خَلْفِها انصَرفَتْ له ... بشِقٍّ وشِقٍّ عندنا لم يُحَوَّلِ
أعربوا «شِق» مبتدأً و «عندنا» خبرَه، و «لم يُحَوَّل» جملةً حاليةً مؤكِّدةً، قالوا: وجاز الابتداءُ بالنكرةِ لأنه موضعُ تفصيل، وأبَوْا أن يَجْعلوا «لم يُحَوَّل» خبراً، و «عندنا» صفةً لشِق مُسَوِّغاً للابتداء به، قالوا: لأنه فُهم معناه من قوله: «عندنا» لأنه إذا كان عندَه عُلِم منه أنه لم يُحَوَّل، وقد أعربَه أبو البقاء كذلك، وهو مردودٌ بما ذكرْتُ لك.
ويجوز إذا جَعَلْنا «لا يُبْصِرون» هو المفعولَ الثانيَ أن يتعلَّقَ «في ظلمات» به أو ب «تَرَكهم» ، التقدير:«وتَرَكهم لا يُبْصرون في ظلماتٍ» . وإن كان «تَرَكَ» متعدياً لواحد كان «في ظلمات» متعلَّقاً بتَرَكَ، و «لا يُبْصرون» حالٌ مؤكِّدة ويجوز أن يكونَ «في ظلمات» حالاً من الضمير المنصوب في «تَرَكهم» ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ و «لا يُبْصرون» حالٌ أيضاً: إمَّا من الضميرِ المنصوب في «تَرَكَهم»