بين المتعاطفَين، أعني قوله: كمثل وكصيّب، وهي مسألةُ خلاف منعها الفارسي وقد رُدَّ عليه بقول الشاعر:
٢٢٩ - لَعَمْرُكَ والخُطوبُ مُغَيِّراتٌ ... وفي طولِ المُعَاشَرَةِ التَّقالي
لقد بالَيْتُ مَظْعَنَ أمِّ أَوْفَى ... ولكنْ أمُّ أَوفَى لا تُبالي
فَفَصَلَ بين القسمِ وهو قولُهُ:» لَعَمْرُك «وبين جوابِهِ وهو قولُهُ:» لقد بالَيْت «بجملتين، إحداهما:» والخطوبُ مغيِّرات «والثانيةُ:» وفي طولِ المعاشرةِ التقالي « [قولُه:] » مِن السماءِ «يَحْتمل وجهينِ، أحدُهما أَن يكونَ متعلقاً ب» صَيِّب «لأنه يعملُ عملَ الفعلِ، التقديرُ: كمطرٍ يصوبُ من السماء، و» مِنْ «لابتداء الغاية. والثاني: أن يكونَ في محلِّ جر صفةً لصيِّب، فيتعلَّقَ بمحذوف، وتكونُ» مِنْ «للتبعيض، ولا بُدَّ حينئذٍ من حذفِ مضافٍ، تقديرهُ: كصيِّب كائنٍ من أمطارِ السماءِ.
والسماءُ: كلُّ ما عَلاَك من سقف ونحوه، مشتقةٌ من السُّمُوِّ، وهو الارتفاعُ والأصل: سَماوٌ، وإنما قُلِبَتِ الواوُ هَمْزَةً لوقوعِها طرفاً بعد ألفٍ زائدةٍ، وهو بدلٌ مطَّرد، نحو: كِساء ورِدَاء، بخلافِ نحو: سِقاية وشَقاوة، لعدم تطرُّفِ حرفِ العلة، ولذلك لَمَّا دَخلت عليها تاءُ التأنيث صَحَّتْ نحو: سَماوة، قال الشاعر: