ويجوزُ أَنْ يكونَ هذه الجملةُ مستأنفةً لا محلَّ لها من الإِعراب، وإنما جيء بها بياناً وتفسيراً لبركتِه وهُداه، ويجوزُ أَنْ تكونَ الحالُ أو الوصفُ على ما مَرَّ تفصيله هو الجارَّ والمجرورُ فقط، و «آياتٌ» مرفوعٌ بها على سبيل الفاعلية، لأنّ الجارَّ متى اعتمد على أشياءَ ذكرتها في أولِ هذا الموضوعِ رَفَع الفاعل، وهذا أَرْجَحُ مِنْ جَعْلِها جملةً من مبتدأ وخبر، لأنَّ هذه الأشياءَ ِ أعني الحال والنعت والخبر أصلُها أَنْ تكونَ مفردةً فما قَرُب منها كان أولى، والجارُّ قريبٌ من المفرد، ولذلك تقدَّم المفردُ ثم الظرف ثم الجملةُ فيما ذَكَرْتُ، وعليه الآيةُ الكريمة:{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}[غافر: ٢٨] فقدَّم الوصف بالمفرد وهو «مؤمن» ، وثَنّى بما قَرُب منه وهو «من آل فرعون» ، وثَلَّث بالجملة وهي «يكتم إيمانه» ، وقد جاءَ في الظاهر عكسُ هذا، وسأُوضِّح هذه المسألة إنْ شاء الله عند قوله:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ}[المائدة: ٥٤] .
قوله:{مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} فيه أوجه، أحدها أنَّ «مقام» بدلٌ من «آيات» ، وعلى هذا يُقال: إنَّ النحويين نَصُّوا على أنه متى ذُكِرَ جمعٌ لا يُبْدَلُ منه إلا ما يُوَفِّي بالجمع فتقول: «مررت/ برجالٍ زيدٍ وعمرٍو وبكر» لأنَّ أقلَّ الجَمْعِ الصحيح ثلاثةٌ، فإن لم يُوفِّ قالوا: وَجَبَ القطعُ عن البدلية: إمَّا إلى النصب بإضمارِ فعلٍ، وإمّا إلى الرفعِ على مبتدأٍ محذوفٍ الخبر، كما تقولُ في المثال المتقدم:«زيداً وعمراً» أي أعني زيداً وعمراً، أو «زيد وعمرو» أي: منهم زيد وعمرو، ولذلك أعربوا قولَ النابغة الذبياني: