لقوله:«فَذَبَحُوها» . والجوابُ عن هذهِ الآية من وَجْهَين، أحدُهما: أنه يُحْمَلُ على اختلافِ وَقْتَيْنِ، أي: ذَبَحوها في وقتٍ، وما كادوا يفعلونَ في وقتٍ آخرَ، والثاني: أنه عَبَّر بنفيِ مقاربةِ الفعل عن شدَّةِ تعنُّتِهِمْ وعُسْرِهِم في الفعلِ.
وأمَّا ما حَكَوْهُ عن ذي الرُّمَّة فقد غلَّط الجمهورُ ذا الرُّمة في رجوعِهِ عن قولِهِ، وقالوا: هو أَبْلَغُ وأحسنُ مِمَّا غَيَّره إليه.
واعلم أَنَّ خَبَرَ «كاد» وأخواتِها غيرَ عسى لا يكون فاعلُه إلا ضميراً عائداً على اسمها، لأنها للمقارَبَةِ أو للشروع بخلافِ عسى، فإنها للترجِّي، تقول:«عسى زيدٌ أن يقومَ أبوه» ، ولا يجوز ذلك في غيرها، فأمَّا قولُه:
٢٤٥ - وَقَفْتُ على رَبْعٍ لِميَّةَ ناقتي ... فما زِلْتُ أبكي عندَهُ وأُخَاطِبُهْ
وَأَسْقِيهِ حتى كَادَ مِمَّا أَبُثُّه ... تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُه ومَلاعِبُهْ
فأتى بالفاعلِ ظاهراً فقد حَمَلَه بعضُهم على الشذوذِ، وينبغي أن يُقال: إنما جاز ذلك لأن الأحجارَ والملاعب هي عبارةٌ عن الرَّبْع، فهي هو، فكأنه قيل: حتى كاد يكلِّمني، ولكنه عَبَّر عنه بمجموع أجزائه، وقولُ الأخر:
٢٤٦ - وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُني ... ثَوْبي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشاربِ السَّكِرِ
وكنتُ أمشي على رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلاً ... فَصِرْتُ أمشي على أخرى من الشجر
فأتى بفاعل [خبر] جَعل ظاهراً، فقد أُجيب عنه بوجهين: أحدُهما: أنه على حَذْفِ مضافٍ تقديره: وقد جَعَل ثوبي إذا ما قمت يُثْقلني. والثاني: أنه من باب إقامةِ السببِ مُقامَ المُسَبَّبِ، فإنَّ نهوضَه كذا متسبِّبٌ عن إثقالِ