الثالث: أن يكونَ المفعولُ الأول محذوفاً. الثاني هو نفس «بمفازة» ويكون «فلا يَحْسَبُنَّهم» تأكيداً للفعل الأول. وهذا رأي الزمخشري، فإنه قال بعد ما حكى هذه القراءة:«على أنَّ الفعلَ اللذين يفرحون، والمفعولُ الأولُ محذوفٌ على معنى:» لا يَحْسَبَنَّهم الذين يفرحون بمفازةٍ «بمعنى: لا يَحْسَبَنَّ أنفسَهم الذين يفرحون فائزين، و» فلا يَحْسَبُنَّهم «تأكيد انتهى.
قال الشيخ: «وتقدَّم لنا الردُّ على الزمخشري في تقديره:» لا يَحْسَبَنَّهم الذين «في قوله: {لاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي}[آل عمران: ١٧٨] وأن هذا التقدير لا يَصِحُّ» . قلت: قد تقدم ذلك والجواب عنه بكلام طويل، لكن ليس هو في قوله:{لاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي} بل في قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله}[آل عمران: ١٦٩] في قراءةِ مَنْ قرأه بياء الغيبة، فهناك ردَّ عليه بما قال، وقد أَجَبْتُ عنه والحمد لله، وإنما نَبَّهْتُ على الموضع لئلا يُطْلَبَ هذا البحثُ من المكان الذي ذكره فلم يوجد.
ويجوز أن يقال في تقرير هذا الوجه الثالث: إنه حَذَف من أحد الفعلين ما أثبتَ نظيرَه في الآخر، وذلك أن «بمفازة» مفعولٌ ثان للفعل الأول حُذِفَتْ من الفعل الثاني، و «هم» في: «فلا يَحْسَبُنَّهم» مفعولٌ أول للفعل الثاني، وهو محذوفٌ من الأول. وإذا عَرَفْتَ ذلك فالفعل الثاني على هذه الأوجه الثلاثة تأكيدٌ للأول.
وقال مكي:«إن الفعل الثاني بدلٌ من الأول» ، وتسمية مثلِ هذا بدلاً