الزيدون عيناً» ويجوز «أنفساً» و «أعيناً» . ولا بد من التعرُّضِ لقاعدةٍ يَعُمُّ النفعُ بها: وهي أنه إذا وقع تمييز بعد جمع منتصبٍ عن تمامِ الكلام فلا يخلو: إمَّا أَنْ يكونَ موافقاً لِما قبله في المعنى أو مخالفاً له، فإن كان الأولَ وَجَبَتْ مطابقةُ التمييز لِما قبله نحو:«كَرُمَ الزيدون رجالاً» كما يطابقُه خبراً وصفةً وحالاً.
وإن كان الثانيَ: فإمَّا أن يكونَ مفردَ المدلول أو مختلفَه، فإن كان مفردَ المدلول وَجَبَ إفرادُ التمييز كقولك في أبناء رجل واحد:«كَرُم بنو زيد أباً أو أصلاً» ، أي: إنَّ لهم جميعاً أباً واحداً متصفاً بالكرم، ومثله:«كَرُم الأتقياءُ سَعْياً» إذا لم تقصدِ بالمصدرِ اختلافَ الأنواع لاختلاف مَحالِّه.
وإنْ كان مختلفَ المدلول: فإما أَنْ يُلْبِسَ إفرادُ التمييز لو أُفرد أو لا، فإن أَلْبَسَ وَجَبَت المطابقة نحو: كَرُم الزيدون آباء، أي: أن لكل واحدٍ أباً غيرَ أب الآخر يتصفُ بالكرم، ولو أُفردت هنا لتُوُهِّم أنهم كلَّهم بنو أب واحدِ، والغرضُ خلافه. وإنْ لم يُلْبِس جاز الأمران: المطابقةُ والإِفراد، وهو الأَوْلى، ولذلك جاءت عليه الآيةُ الكريمةُ، وحكمُ التثنية في ذلك كالجمعِ.
وحَسَّن الإِفرادَ أيضاً هنا ما تقدَّم مِنْ مُحَسِّنِ تذكيرِ الضمير وإفرادِه في «منه» وهو أن المعنى: فإنْ طابت كلُّ واحدة نفساً. وقال بعض البصريين:«إنما أفردَ لأن المراد بالنفس هنا الهوى، والهوى مصدرٌ، والمصادرُ لا تُثَنَّى ولا تُجْمع» وقال الزمخشري: «ونفساً تمييزٌ، وتوحيدُها لأنَّ الغرضَ بيانُ الجنسِ، والواحدُ يدل عليه» . ونحا أبو البقاء نحوه، وشَبَّهه ب «درهماً» في قولك: «عشرون درهماً» .