وبه قال أبو البقاء - أنه حال أي: عادلاً عما جاءك، هذا فيه نظرٌ من حيث إنَّ» عن «حرفُ جر ناقص لا يقع خبراً عن الجثة، فكذا لا يقع حالاً عنها، وحرفُ الجر الناقص إنما يتعلق بكون مطلق لا بكونٍ مقيدٍ، لكنَّ المقيدَ لا يجوز حَذْفُه. والثاني: أنَّ» عَنْ «على بابها من المجاوزة، لكن بتضمين» تَتَّبعْ «معنى» تتزَحْزَحْ وتنحرف «أي: لا تحرف متبعاً.
قوله:{مِنَ الحق} فيه أيضاً وجهان، أحدُهما: أنه حالٌ من الضمير المرفوع في» جاءك «والثاني: أنه حالٌ من نفس» ما «الموصولة، فيتعلق بمحذوفٍ، ويجوز أَنْ تكونَ للبيانِ. قوله:» لكل «» كل «مضافة لشيء محذوف، وذلك المحذوفُ يُحتمل أن يكونَ لفظة» أمة «أي: لكل أمة، ويراد بهم جميعُ الناس من المسلمين واليهود والنصارى، ويحتمل أن يكونَ ذلك المحذوفُ» الأنبياء «أي: لكل الأنبياء المقدَّمِ ذكرُهم. و» جَعَلْنا «يُحتمل أن تكونَ متعديةً لاثنين بمعنى صَيَّرْنا، فيكون» لكل «مفعولاً مقدماً، و» شِرْعة «مفعولٌ ثان. وقوله:{منكم} متعلقٌ بمحذوفٍ، أي: أعني منكم، ولا يجوزُ أَنْ يتعلَّق بمحذوف على أنه صفةٌ ل» كل «لوجهين، أحدُهما: أنه يلزمُ منه الفصلُ بين الصفة والموصوف بقوله» جَعَلْنا «وهي جملةٌ أجنبية ليس فيها تأكيدٌ ولا تسديدٌ، وما شأنه كذلك لا يجوز الفصلُ به.
والثاني: أنه يلزم منه الفصلُ بين «جَعَلْنا» وبين معمولِها وهو «شِرْعةً» قاله أبو البقاء وفيه نظر، فإن العامل في «لكل» غيرُ أجنبي، ويدل على ذلك قوله:{أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ}[الأنعام: ١٤] ففصل بين الجلالة وصفتِها بالعمل في المفعول الأول، وهذا نظيره. وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب:«شَرْعة» بفتح الشين، كأن المكسور