أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} فلا نسلِّم أن «مبارك» صفةٌ، بل يجوزُ أن يكونَ خبراً عبد خبر، ويجوز أن يكون خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي: هو مبارك، ولو استدل على ذلك بآيتين غير هاتين لكان أقوى، وهما قوله تعالى:{مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ}[الأنبياء: ٢]{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ}[الشعراء: ٥] ، فقدَّم الوصفَ بالجارِّ على الوصف بالصريح، ويحتمل أَنْ يُقال: لا نُسَلِّم أن «مِنْ ربهم» و «مِنَ الرحمن» صفتان لجواز أَنْ يكونا حالين مُقَدَّمَيْن من الضمير المستترِ في «مُحْدَثٍ» أي: مُحْدَثٍ إنزالُه حالَ كونه من ربهم.
وأَذِلَّة جمعُ ذليل بمعنى متعطف، ولا يراد به الذليل الذي هو ضعيف خاضع مُهان، ولا يجوز أن يكون جمع «ذَلُول» لأنَّ / ذلولاً يجمع على «ذُلُل» لا على «أَذِلة» وإن كان كلام بعضهم يوهم ذلك. قال الزمخشري:«ومَنْ زعم أنه من الذُّل الذي هو نقيض الصعوبة فقد غَبِي عنه أن ذَلُولا لا يُجمع على أَذِلة» وأَذِلّة وأَعِزة جمعان لذليل وعزيز وهما مثالا مبالغة، وعَدَّى «أذلة» ب «على» وإن كان أصلُه أن يتعدى باللام لِما ضُمِّن من معنى الحُنُوِّ والعطف، والمعنى: عاطفين على المؤمنين على وجهِ التذلُّلِ لهم والتواضعِ، ويجوزُ أَنْ يكون المعنى: أنهم مع شرفهم وعلوِّ طبقتهم وفَضْلِهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم، ونحوه قولُه تعالى:
{أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: ٢٩] ذكر هذين الوجهين أبو القاسم الزمخشري. قال الشيخ: «قيل: أو لأنه على حَذْفِ مضاف، التقدير: على فَضْلِهم على المؤمنين،