ليصِحَّ المعنى، فإن «ذلك» إشارةٌ للواحدِ، ولو جاءَ مِنْ غيرِ حَذْفِ مضافٍ لقيل: بشرٍّ من أولئكم بالجمع. وقال الزمخشري:«ذلك» إشارةٌ إلى المنقومِ، ولا بد من حذفِ مضافٍ قبلَه أو قبل «من» تقديرُه: بشرٍّ من أهل ذلك، أو دينِ مَنْ لَعَنَه [الله]«انتهى. ويجوزُ ألاَّ يقدَّرَ مضافٌ محذوفٌ لا قبلُ ولا بعدُ، وذلك على لغةِ مَنْ يُشير للمفردِ وللمثنى والمجموع تذكيراً وتانيثاً بإشارةِ الواحدِ المذكر، ويكون» ذلك «إشارةً إلى الأشخاصِ المتقدِّمين الذين هم أهلُ الكتابِ، كأنه قيل: بشرٍّ من أولئك، يعني أن السلف الذي لهم شَرٌّ من الخَلَفِ، وعلى هذا يجيء قولُه {مَن لَّعَنَهُ} مفسِّراً لنفس» ذلك «، وإنْ كان ضميرَ أهلِ الكتاب وهو قولُ عامةِ المفسرين فيُشْكِل ويحتاج إلى جواب.
ووجهُ الإِشكالِ أنه يصيرُ التقديرُ:» هل أنبِّئكم يا أهلَ الكتاب بشرٍّ من ذلك، و «ذلك» يُراد به المنقومُ وهو الإِيمان، وقد عُلِم أنه لا شرَّ في دينِ الإِسلام البتةَ، وقد أجابَ الناسُ عنه، فقال الزمخشري عبارةً قَرَّر بها الإِشكالَ المتقدمَ، وأجابَ عنه بعد أَنْ قال:«فإنْ قلت: المثوبةُ مختصةٌ بالإِحسان فكيف وَقَعَتْ في الإِساءةِ؟ قلت: وُضِعَتْ موضعَ عقوبةٍ فهو كقوله:
ومنه {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران: ٢١] ، وتلك العبارةُ التي ذكرتُها لك هي أن قال:» فإنْ قلت: المعاقَبُ من الفريقين هم اليهودُ، فلِمَ شُورك بينهم في العقوبة؟ قلت: كان اليهودُ - لُعِنوا - يزعمون أن المسلمين ضالُّون مستوجبون